للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بيت لا يمكن إخفاء رائحته. ففي ذات يوم أرادت ليلى أن تعلم ما لها في قلب قيس، فأعرضت عنه، وأقبلت بحديثها على غيره، فلما رأى ذلك جزع جزعاً شديداً حتى خافت عليه فقالت له:

كلانا مظهر للناس بغضاً ... وكل عند صاحبه مكين

تبلغنا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثمّ هوى دفين

فلما سمع قولها سرى عنه وعلم ما له في قلبها، وانصرف عنها وهو من أشدّ الناس سروراً وأقّرهم عيناً، وقال:

أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لدي ولا أهلُ

ولا أحدٌ أفضي إليه وصبتي ... ولا صاحب إلا المطيّة والرحل

محا حبها حب الأُلى كن قبلها ... وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل

ولما سمع جلساؤهما ذلك فطنوا إلى أمرهما، وشاعت قصة غرامهما بين الناس حتى بلغت مسامع والد ليلى، فأبعدها عن المدرسة وحجبها عن قيس، ومنعه من رؤيتها والتحدث إليها، وتوعده بالشر إذا اقترب منها، فقل قيس في ذلك:

ألا حجبت ليلى وآلي أميرُها ... عليَّ يميناً جاهداً لا أزورُها

وأوعدني فيها رجالٌ أبوهم ... أبى وأبوها خُشّنتْ لي صدورها

على غير جُرم غير أني أحبُّها ... وأن فؤادي رهنها وأسيرها

وفي (شكل ١) منظر داخلي للمدرسة يبين قبة يجلس تحتها المعلم بلحيته البيضاء الطويلة، وعلى رأسه عمامة كبيرة، وفي يده عصا لتأديب (أشقياء) التلاميذ، وأمامه تلميذ يتلو عليه ما حفظه من الدروس. ونرى قيساً جالساً إلى اليمين في معزل عن زملائه، يسند رأسه على ذراعه غارقاً في تأملاته كأنه يفكر في حبيبته ليلى التي تجلس إلى اليسار بجانب صديقة لها تواسيها وتعطف عليها. ويقرأ أو يكتب بعض التلاميذ الآخرين في كتبهم ويتجادل آخرون. وإلى اليسار يتقاذف (شقيان) بأدواتهما المدرسية، غير عابئين باحتمال إصابة (زير الماء) الموضوع في الركن الأيسر على كرسي حامل له، وما قد تجلبه هذه الإصابة على جسديهما من آثار عصا المعلم. ولم ينس المصور أن يخفف من حدّة (عصا) المعلم ببيت شعر كتبه على مدخل القبة يناشده فيه ألا يعلم الفتاة الشقراء ذات الوجه الجميل

<<  <  ج:
ص:  >  >>