سوى كل شيء حسن هي جديرة به. وهذه الصورة في مخطوط من المنظومات الخمس للشاعر نظامي الكنجوى كتبه الخطاط سلطان محمد نور، ومؤرخ سنة ٩٣١ هجرية (١٥٢٥ م)، وقد اختلف مؤرخو الفن الإسلامي في نسبة الصور التوضيحية التي به، ولكنا نرجح ما يقوله الأستاذ كينل في نسبتها إلى المصور شيخ زاده تلميذ المصور الكبير بهزاد الذي هاجر معه إلى مدينة تبريز. وهذا المخطوط محفوظ في متحف المتروبوليتان للفنون الجميلة بنيويورك
- ٣ -
بعد أن حجبت ليلى في منزل أبيها، حزن قيس وضاقت الدنيا في عينيه، ولما لم يجد في المدرسة ما يرفّه عن نفسه الحزينة ويسري عنه، هجرها وهام على وجهه يبحث عن حبيبته في منزل والديها. ولما أعياه ذلك عمد إلى الحيلة فتزيا بزي درويش عجوز أعمى قد أناخ عليه الدهر بكلاكله، وسار يتلمس طريقه بعكاز في يده حتى وصل إلى بيت ليلى، فألقى بنفسه على عتبته متصنعاً الإعياء. وخرج أهل الدار لمساعدة هذا الدرويش البائس الذي أنهكه السير الطويل وشقة الطريق، وكانت بينهم ليلى فعرفته وأمسكت يده وشدت عليها لتعلمه أنها ما زالت على عهده بها، ولكي تجدد ما قطعته على نفسها من ميثاق الإخلاص له في الحب. ولاحظ والدها ذلك وتعرّف على قيس، فنهر ابنته وطرد قيساً، فزاد ذلك من شدة حزنه ويأسه. وعاتبه أصحابه ورموه بالجنون لما رأوه في مسلكه من شذوذ، فقال لهم:
وإني لمجنونٌ بليلى مُوكَّلُ ... ولستُ عَزوفاً عن هواها ولا جَلْدَا
إذا ذُكرْت ليلى بكيتُ صبابة ... لتَذكارها حتى يبل البكا الخدَّا
وسماه أصحابه (المجنون) وصار يعرف بين قومه بهذا الاسم.
واشتد به الحزن واليأس فاعترض على قضاء الله بقوله:
خليلي لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضي ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبّها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
فسلب عقله، وهجر أهله وذويه، وانفرد في جنبات الحيّ عارياً، لا يلبس ثوباً إلا خرقه، يخطط بإصبعه في التراب، ويجمع العظام حوله، ولا يجيب أحداً سأله عن شيء إلا إذا