للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحول دون هذا الإثبات. والذين ذهبوا إلى أن الدليل النقلي يفيد اليقين ويثبت العقيدة شرطوا فيه أن يكون قطعياً في وروده، قطعياً في دلالته. ومعنى كونه قطعياً في وروده ألا يكون هناك أي شبهة في ثبوته عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك إنما يكون في المتواتر فقط. ومعنى كونه قطعياً في دلالته أن يكون نصاً محكماً في معناه، وذلك إنما يكون فيما لا يحتمل التأويل. فإذا كان الدليل النقلي بهذه المثابة أفاد اليقين وصلح لأن تثبت به العقيدة. وأمثلة ذلك فيما ورد إلينا آيات القرآن التي تحدثت عن التوحيد والرسالة واليوم الآخر وما إلى ذلك من أصول الدين؛ فقد جاءت - كما هي قطعية في ورودها - قطعية في دلالتها، لا تحتمل أكثر من معناها: (فاعلم أنه لا إله إلا الله). (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد). (قل بلى وربي لتبعثن). (قل يحيها الذي أنشأها أول مرة). (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله). (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين)

هذا هو شأن العقائد وطريق ثبوتها. ولا بد أن يعم العلم بها جميع الناس ولا يختص بطائفة دون أخرى، لأنها أساس الدين وبها يكون المرء مؤمناً فكيف يتصور في مؤمن أن يجهلها؟ ومن مقتضيات هذا العلم العام بها ألا يقع خلاف بين العلماء في ثبوتها أو نفيها

ومن هنا نستطيع أن نقرر أن العمليات التي لم ترد بطريق قطعي، أو وردت عن طريق قطعي ولكن لابسها احتمال في الدلالة فاختلف فيها العلماء، ليست من العقائد التي يكلفنا بها الدين، والتي تعتبر حدَّاً فاصلاً بين الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون!.

وإنك لتجد كثيراً من هذا النوع في كتب التوحيد إلى جانب العقائد التي كلفنا الله أن نؤمن بها، فهي تذكر إلى جانب وجود الله ووحدانيته والرسل واليوم الآخر مسائل: رؤية الله بالأبصار، وزيادة الصفات على الذات، ومرتكب الكبيرة، وما يكون آخر الزمان من ظهور المهدي والدجال والدابة والدخان ونزول عيسى وما إلى ذلك مما يذكر في مثل (خريدة الدردير) و (جوهرة اللقاني) وغيرهما

والتاريخ العلمي يدل على أن هذه مسائل جر إليها البحث في العقائد حين تعددت الفرق وكثرت الآراء والمذاهب الكلامية، فكانت محل اجتهاد بين العلماء كل يرى رأيه فيها، ويدلي بحجته على ما يرى ملتمساً الوصول إلى ما يلائم في نظره العقيدة المتفق عليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>