تعرفه من قبل، فماذا صنع الدكتور لمكتب الترجمة؟ هل نال هذا المكتب بعض ما تناله قنطرة أو مصرف أو تطهير ترعة أو مدرسة إلزامية ولا أقول ابتدائية أو ثانوية؟ وهل أصبح هذا المكتب - الذي هو ضرورة الضرورات لنهضتنا الثقافية - من الأشياء التي لا نفكر فيها إلا ذلك التفكير الخلفي؟ وبهذه السرعة ننسى الأحلام التي يزخرفها لنا الخيال ونحن نؤلف؟ وهل يستطيع هذا المكتب ولما يبلغ أعضاؤه العشرة، أن يؤدي للنهضة حقوقها عليه؟ وهل العمل الذي فرض على هذا المكتب، والذي لن ينتهي في أقل من عشر سنوات هو من قبيل التنويع الذي أشار إليه الدكتور للنهوض بنقل الآثار الأدبية والعلمية والفلسفية الخالدة؟ وأخشى أن يكون الدكتور قد نسى تلك المثل العليا التي كان يغازلها خياله الخصب وهو يكتب فصوله الشائقة عن الأدب والأدباء والترجمة والمترجمين والتمثيل والممثلين في كتابه الجليل. لقد كان الأجدر بإدارة الترجمة أن تكون شيئاً آخر غير هذا الشيء الذي لن تشعر به الأمة إلا بعد عشرات السنين. . . لماذا نفرغ إلى هذا العمل البطيء السلحفائي الذي يخمد الأنفاس ولا تعطي لنا الحرية في نقل روائع الآداب العالمية التي أشار إليها الدكتور في كتابه؟. . . إني لا أجادل في قيمة الموسوعة التاريخية التي ننقلها إلى العربية، ولكني أجادل في عدم الملائمة بين احتياجاتنا وبين أعمالنا. . . وليس يجادل أحد في أننا أحوج ألف مرة إلى روائع المسرح العالمية وروائع القصص العالمية منا إلى هذا التاريخ العام الذي يأتي دوره بعد أدوار الآداب المختلفة بمراحل شاسعة. فإن لم يكن بد من القيام بكل ذلك، فلنعن على الأقل بهذه الإدارة الضيقة (ولتبذل لها الدولة أقصى ما تملك من جهد وأكثر ما تستطيع من المال) كما يقول الدكتور في كتابه. أما أن نحلم بأشياء جميلة فتتاح لنا الفرصة في إنشائها فنوجدها ولا نوجدها في وقت واحد، فهذا من المتناقضات التي ينبغي ألا نقع فيها، كما يجب ألا تتبعثر جهود تلك الإدارة التي يرأسها أقدر رجال الترجمة في مصر فيما هو بالمحل الثاني أو الثالث مما نحتاج إليه أصلاً. إن الساعات الثمينة التي يقضيها شباب المترجمين يومياً في نقل هذه (الأضابير) التاريخية إلى اللغة العربية كانت تتيح لهذه اللغة عشرين أو ثلاثين درامة كل سنة من أروع الدرامات التي تمد المسرح والقراء في وقت معاً بثروة لا تعدلها ثروة