على قلتهم يجهلون الحضارة الحديثة جهلاً تاماً، لأن كثرة هؤلاء القارئين الكاتبين يجهلون اللغات الأجنبية جهلاً تاماً، ولأننا لا نترجم لها إلى اللغة العربية مالا تستطيع أن تقرأه في اللغات الأجنبية. . . ثم يقول. . . وقد قلنا غير مرة في غير هذا الحديث أن من غير المعقول أن تكلف كثرة القارئين الكاتبين في أمة من الأمم إتقان اللغات الأجنبية؛ فلا بد من أن تنتقل لها خلاصة هذه اللغات إلى لغتها العربية. ذلك حق لها على الدولة، وهو حق لها على المثقفين القادرين على الترجمة. . . إلى أن يقول: فلنترجم إذن ولنكثر من الترجمة، ولنبذل في ذلك أقصى ما نملك من الجهد وأكثر ما نستطيع من المال. وعلى الدولة المسكينة يقع هذا العبء كما يقع عليها كثير من الأعباء وقتاً طويلاً، لأن ظروف الحياة المصرية تقتضي ذلك وتفرضه فرضاً. وإذا كانت وزارة المعارف تمنح الإعانات لكثير من الجماعات والهيئات التي يُشك في نفعها، فلا أقل من أن تنشئ مكتباً للترجمة على أن يكون عمله منوعاً بعض الشيء، فينهض بنقل الآثار الأدبية والعلمية والفلسفية الخالدة التي أصبحت تراثاً للإنسانية كلها والتي لا يجوز للغة حية أن تخلو منها. يترجم هذه الآثار لأغناء اللغة نفسها ومنحها ما تحتاج إليه من المرونة، ولإرضاء الكرامة القومية. . . ثم يقول. . . وواضح جداً أن هذا المكتب لن يستطيع وحده أن ينهض بهذه الأعباء الثقال، فلا بد من تشجيع المترجمين وإغرائهم بالمال. . . الخ)
وليس يخامرني شك في أن الدكتور طه هو أقدر الناس في التعليق على هذا الكلام الحماسي عن الترجمة ومكتب الترجمة الآن، فقد عبر، عندما كان يؤلف كتابه، عن أماني مصر والمصريين وعن حاجة النهضة المصرية إلى هذه الثقافة التي تعتمد - أول ما تعتمد على شيء على الترجمة، وعبّر عن حاجة اللغة إلى ما يغنيها حين ينقل إليها من اللغات الأجنبية ويكسبها المرونة اللازمة لها. . . ثم هو قد رسم المنهاج لمكتب الترجمة الذي هو ضرورة الضرورات لمد النهضة واللغة وجماهير المثقفين والقارئين الكاتبين بروائع الآداب العالمية وإن لم يستطع وحده أن يضطلع بهذا العمل. . . وها هي الأيام قد دارت ووقع اختيار الدولة على الأستاذ الدكتور ليكون مستشارها الفني في تطبيق برنامجه الحافل الذي رسمه في كتابه الجليل. . . والدولة - والله المحمود - سخية أعظم السخاء على جميع المشروعات الحيوية هذه الأيام، وقد بلغت ميزانيتها من الضخامة هذا العام مبلغاً لم