إن أراد
وأعجب ما في هذه القضية أن للهلالي باشا مصالح في أسيوط تعطلت بسبب انصرافه عن زيارة تلك المدينة، فله دار فخيمة تعرضت للتصدع بسبب هذا الانصراف
قلت لصاحبي وأنا أحاوره: هل تعرف أن للديار أرواحاً يؤذيها الجفاء؟
فقال: المعروف أن الديار مجموعة أحجار وأخشاب، فهي جمادات لا تتأثر بالهجران
قلت: هذا وهم في وهم، فالديار تتأذى بالهجر كما يتأذى الأحباب، وليس في الوجود كائن بلا روح، ولو كان في الاصطلاح من الجماد
يستطيع الهلالي باشا أن يعتذر لداره بالشواغل التي تصده عن زيارة أسيوط، ولكن لي رأيا آخر، هو أن نجعل زيارة دورنا بالأقاليم النائية من شواغلنا الأساسية، فلتلك الديار حقوق، وهي أيضاً من ضمائر الوطن الغالي
وبماذا يجيب الهلالي باشا لو دعوته إلى بناء دار بأم درمان أو الخرطوم؟
لو التفت هذه الالتفاتة لكان من السهل عليه أن يخلق لمصر صداقات جديدة في السودان
بإحدى المحاضرات الافتتاحية في الكولليج دي فرانس ألقى علينا المسيو ماسينيون محاضرة عن مشاهداته في إيران، وبعد المحاضرة سألته عن السبب في كثرة أسفاره إلى إيران، فأجاب: ألا تعرف أن لي داراً هنالك؟
وفي مقابل هذا أذكر أن كبيراً من كبرائنا باع أملاكه في بلده لتكون ثروته في القاهرة، عساه يشرف عليها بلا عناء
ومع هذا يعاب على أن أقول إن أكابر أسيوط يهجرون أسيوط!
يجب أن نقول ونقول ثم نقول بأن الإقبال على الحياة القاهرية سيؤذي الأقاليم المصرية أشد الإيذاء
هذا مع أن النيل يرشدنا إلى الواجب في كل لحظة باختياره الموفَّق لأطايب البقاع، ولو سايرنا النيل في هواه لكان عندنا مئات مت غُرر البلاد
وهل ننسى أننا لم ننشئ مدينة جميلة في (القناطر الخيرية) وهي بقعة لا نظير لها في أي أرض؟
وقطار الإسكندرية يمر بنا على مدينة اسمها (كفر الزيات) على موقع من أجمل مواقع