الرأي عندي أن مصر غنمت بهذا العراك غنائم لم تكن تخطر في البال، فقد ظهر جلياً أن عندنا خطباء من الطراز الأول في اللغة العربية، وظهر جلياً أن عندنا رجالاً من أصحاب الأعصاب الحديدية. وهل من القليل أن يكون عندنا وزراء يقضون نهارهم في مكاتبهم على خير حال من النشاط، ثم يقضون صدر الليل في مصاولات برلمانية تفل الحديد؟
ماذا يقول الجيل المقبل حين يرى مضابط البرلمان؟ ماذا يقول؟
كل ما أتمناه أن تدوم هذه اليقظة العقلية والروحية على نحو ما رأينا من القوة والحيوية، ليعرف الجيل المقبل أن آباءه كانوا أصحاء في الأرواح والعقول، وأنه جدير بأن يخلفهم في ميادين المنطق والفكر والبيان
أظهر ما عيبت به تلك المصاولات هو صدور ألفاظ نابية على ألسنة بعض النواب، فهل تفردنا بخلق تلك الألفاظ، ولها نظائر في جميع اللغات؟ وهل كان مجلس النواب مجلس سمر لا يدور فيه غير مصقول الأحاديث؟
إن خصوم الحكومة قالوا فيها ما قالوا، وقالت فيهم ما قالت، وعرف الجمهور عن طريق العلانية كل شيء، برغم قيام الأحكام العرفية
إن موقفي موقف المؤرخ لعهد من عهودنا الأدبية في البلاغة البرلمانية، وهي بلاغة وصلت إلى غاية من أرفع غايات البيان، وشهدت بأن للفكر في مصر أقطاباً وأساطين.