للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

٥ - أما نصيب أغنيائنا من هذه المسئولية فنحن نكتب عنه، ثم نغضي، لأننا أعرف بالنتيجة، ولكنها فرصة طيبة للتكلم عن نصيب الأغنياء في بعض الأمم وفي عصور التاريخ المختلفة في إحياء النهضة الأدبية على العموم، والأدب المسرحي على الخصوص، ففي اليونان القديمة كان الشاعر من شعراء المآسي ينظم مأساته ثم لا يذهب إلى بيوت الأغنياء كي يبذل لديهم ماء وجهه ابتغاء أن يتولى أحدهم الإنفاق على إخراج هذه المأساة، وكان إخراجها يقتضي القناطير المقنطرة من المال، بل كان الأديب لا يلبث أن يذيع في الأوساط الأدبية أنه يوشك أن يتم مأساته التي نظمها في موضوع كذا حتى يتهافت عليه الأغنياء يعرضون العروض السخية لكي يتم لأحدهم شرف إخراج هذه المأساة. . . وإذا علمنا أن كلا من إسخيلوس وسوفوكليس وبوريبيذز وأرستوفان (وعشرات غيرهم من رجال المسرح اليوناني) قد ألف أكثر من مائة مأساة أو ملهاة، وأن الدرامة الواحدة كانت تكلف الموسر الذي يتولى الإنفاق على إخراجها أكثر من ثلاثة آلاف من الجنيهات، عرفنا كيف كان أغنياء اليونانيين يجودون بملايين الجنيهات. ولا نقول بمئات الألوف - في سبيل تشجيع الأدباء والنهضة المسرحية في ذلك العصر اليوناني القديم - ولا يحسبن القارئ أننا ننفخ في كلمتنا هذه روح المبالغة بذكر تلك الأرقام التي كان سراة اليونانيين يسخون بها على مسارحهم وتيسير أحوال شعرائهم، فقد كان الشاعر ومساعداه ورجال الخورس - ويتراوح عددهم بين الخمسين والثمانين - يأكلون ويشربون ويسكنون ويقبضون أحسن الرواتب لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر حتى يتم إخراج الرواية على حساب هذا المثري كما كان يدفع لهم ثمن الملابس التمثيلية (أربعة أطقم لكل منهم) وأثمان الملابس التنكرية التي كانت مرتفعة جداً، فإذا بدأ التمثيل تولت الدولة الإنفاق على هؤلاء الممثلين وإعطائهم رواتب حسنة، كما كانت تسبغ على الشاعر أجزل المكافآت (غير راتبه الخاص)

كان هذا في اليونان من أربعمائة وألفين من السنين. . . أما في أوربا، فقد لقي المسرح ما يقرب من هذا التشجيع في جميع الممالك وفي فرنسا وإنجلترا خاصة. . . ففي إنجلترا مثلا كانت تتكون النقابات التمثيلية أو من أرباب الحرف المختلفة، وذلك بعد أن انتقل زمام التمثيل إليها من أيدي رجال الأكليروس في الطور الثاني من أطوار حياة المسرح

<<  <  ج:
ص:  >  >>