الإنجليزية. وكان لكل طائفة من الصناع نقابتها التمثيلية الخاصة بها، فثمة نقابة للدباغين وثانية للسقائين وأخرى لتجار الأقمشة. . . الخ. وكان أصحاب رؤوس الأموال ومدير والمصانع ينفقون على هذه النقابات ويمدونها بالأموال الضخمة لما اضطلعت به من إخراج الروايات القديسية أو الكرامية فكانت النقابات بدورها لا تألو جهداً في الإنفاق عن سعة على الإخراج حتى تبلغ به حد الإتقان استعداداً للمواسم التمثيلية التي تشبه ما كان يقام منها عند اليونانيين القدماء في أعيادهم الدينية، والتي كانت تقام في الأعياد الدينية الإنجليزية أيضاً، مثل عيد الميلاد وعيد الفصح وأحد العنصرة وعيد الجسد أو القربان المقدس. . . الخ. وقد نالت نقابات بعض المدن شهرة كبيرة أدت إلى تنافس شديد بين المدن الإنجليزية كي يبز بعضها بعضاً في الكمال التمثيلي. وكان هذا التنافس الشديد سبباً في أن تضاعف النقابات، وبالأحرى الأغنياء من أصحاب رؤوس المال، ما ينفقون على فرقهم التمثيلية. . . فهذا اتحاد نقابات لندن ينافس اتحاد كوفنترى، كما ينافس اتحاد دبلن اتحاد يورك، وكما تتنافس شسنر ولاتكستر وبرستون. . . وهكذا كانت جميلة رائعة حرب السلام والفن والفكر والأدب هذه بين سائر المدائن الإنجليزية في فجر النهضة التمثيلية في القرن الرابع عشر. وأظرف من هذا التنافس بين المدن، التنافس المحلى الذي كان ينشب بين أحياء المدينة الواحدة لكي يفوز أحدها بتمثيل الرواية فيه دون الأحياء الأخرى، فكانت الأحياء تتبارى في إجزال العطاء لفرق النقابات كي تفوز بهذا الشرف، وكانت الفرق مطلقة الحرية في قبول العطاء الأسخى. وكثيراً ما كانت العطاءات تنيف على الخمسمائة جنيه للحفلة الواحدة، وكثيراً ما كان العرض يستمر لمدة ثمانية أيام متتالية للرواية الواحدة كما حدث في رواية (طوفان نوح) التي مثلت في إسخلين بلندن سنة ١٤٩ في عهد الملك هنري الرابع. فهاتان منافستان. ثم كانت هنالك منافسة من نوع ثالث بين المنازل نفسها، فالمنزل الذي يساهم في العطاء بأكثر مبلغ هو الذي يفوز بتمثيل الرواية أمامه، وكان أصحاب المنازل يتبارون من أجل ذلك في الدفع حتى كان أحدهم يدفع قرابة الخمسمائة جنيه حتى لا ينتصر عليه في مضمار المباهاة أحد أعيان الناحية!! وكانت أجور الممثلين والمنشدين مرتفعة جداً حتى كانت تصل إلى خمسة جنيهات عن الحفلة الواحدة وذلك بعملتنا الحاضرة، وقد كان ذلك سبباً في دخول الاحتراف المسرحي في إنجلترا. ولما حدث