شقيتَ كما أشقيتني وتركتني ... أهيم مع الهلاّك لا أطعمُ الغمضا
كأن فؤادي في مخالب طائر ... إذا ذكرت ليلى يشد بها قبضا
كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... على فما تزداد طولاً ولا عرضا
وسمعه أبوه الملوح فأشفق عليه، وقال إن ابنه عاقل وليس به جنون، ثم التفت إليه وناداه أن يتقدم ويخاطب والد حبيبته ليثبت له عقله ورشاده. . . وتقدم قيس. . . وإذا بكلب ليلى يظهر بغتة، فيعرف فيه حبيب سيدته، ويبصبص له بذنبه. . . فلم يتمالك المجنون من أن يلقى بنفسه على الأرض، إلى جانب الكلب، ليحتضنه ويناجيه ويسأله عن ليلى. . . فكان في ذلك أكبر دليل على جنونه. ورجع أبوه معه إلى بيته حزيناً وقد خاب أمله
ولما حاول أهله مرة أخرى أن يزوجوه إحدى بنات عمه، مزق ملابسه، وفر هارباً. . . إلى حيث تأتيه ذكريات ليلى. . . إلى جبل التوباد. . . ولما دنا منه قال:
وأجهشتُ للتوباد حين رأيته ... وكَبَّر للرحمن حين رآني
وأذريتُ دمع العين لما عرفته ... ونادى بأعلى صوته فدعاني
فقلت له أين الذين عهدتهم ... حواليك في حفظ وطيب زمان
فقال مَضوْا واستودعوني ديارهم ... ومَنْ ذا الذي يبقى على الحدثان
ثم خر مغشياً عليه، فوجده بعض عابري سبيل، فأشفقوا عليه، وحملوه إلى منزل والديه
وفي (شكل ١) اجتمع الملوح بن مزاحم وبعض أقاربه بوالد ليلى يخطبونها لأبنهم قيس. ويرى قيس وقد ألقى بنفسه على الأرض يحتضن كلب ليلى ويناجيه، ويحاول أخوه عبثاً أن يجره إلى الخلف ليبعده عن الكلب. وجلس والد ليلى في الوسط وقد ثبت ما قاله عن جنون قيس، وإلى يمينه الملوح وقد ظهر على وجهه الحزن والأسى. ووضع بعد الحاضرين أصابعهم السبابة في أفواههم دلالة على ما اعتراهم من دهشة لهذا المنظر الغريب الغير مألوف لديهم. وهذه الصورة في مخطوط من منظومات الشاعر هاتفي الجامي، مؤرخ سنة ٩٤١هـ (١٥٣٥م) ومحفوظ في مكتبة الدولة ببرلين.
أفاق المجنون من غشيته حائل اللون ذاهلاً، فوجدة نفسه في منزل والديه وقد جلسا إلى جانبه مع اخوته ابن عمه زياد بن مزاحم وبعض أقاربه، يبتهلون إلى الله تعالى أن يخفف عن قيس ويرد إليه عقله. وأجال المجنون بصره فيمن حوله، فتبينهم وعرف فيهم أهله