للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يوما كاملا ومثله للنزول. فقلت كيف ذلك؟ فقال هكذا يقول من صعدوا إليها - ثم سألته عن حال البادية فأجاب، كرب وشدة، فانحباس المطر إحدى عشرة سنة متعاقبات أجدب الوديان حتى كادت تتعرى من الأخضر واليابس، وغاض ماء الآبار وجف كثير من العيون، وتفرقت البيوت فقوم منا لحقوا بوادي النيل، وآخرون أوغلوا صوب الشمال، وبقية بدا لها أن تتشبث بوطنها مثوى الآباء، والأجداد، برغم ما تعانيه من شظف العيش وما تلقاه من حرمان. يعملون هكذا فرارا من معرة الهجرة وهوان الارتحال. فقلت: وما بعد ذلك فقال، سنبقى هنا بالتوكيد حتى يقضي الله أمره فينا. ثم أطرق برأسه وهو يقول فرج الله لا بد قريب، فقلت صدقت يا أخي، اصبر فان الله لا ينسى عباده، فعلت وجهه ابتسامة اطمئنان ويقين. وبعد حديث طويل عن الجبال وأسمائها، ومسالكها والعيون وأماكنها سألته عن حيوانات المنطقة ونباتاتها فقال، يعيش هنا الغزال والتيتل والثعلب والارنب والخروف الوحشي، والأخير كان كثيرا، ولكنه رحل عنا منذ أجدبت الوديان. وعندنا من الطيور العصافير والغراب والصقر وغيرها، ومن الحشرات الثعابين والعقارب والزنابير والخنافس والذباب والنحل وغيرها، ومن النباتات الشيح والسيال (السنط) واللصف واليسر والفطنة (ذات رائحة شديدة كريهة) والحرجل (يستعمل دواء للمغص) والجتيات والمرغادة والأراك وغيرها.

قلت وهل تستفيدون من هذه النباتات، فقال نعم؟ فلكل نبات فائدة نعرفها. ثم اننا نجمع الشيح ونبات المسواك وحب اليسر، ونبيعها في قنا، ومن خشب الطرفا، وهي شجرة الاثل نصنع الفحم وقد كانت له سوق رائجة، ولكن الطلب عليه الآن قليل. ثم قال اننا قوم ذوو همة نتاجر في الاغنام والابل، وننقل التجارة على الجمال من قنا إلى الغردقة، ونستخرج بعض المعادن من الجبال ونبيعها في السويس، وهكذا، فإذا كانت المراعي قد أجدبت فان نشاطنا لم يضعف وعزيمتنا لم تفتر.

وجبال الشايب وما حولها تبدو من الغردقة متلاصقة متجاورة إلا أنها في الحقيقة متباعدة تخترقها الوديان والسهول وتشقها مجاري السيول في كل صوب. وعند الأصيل انطلق الهواء واعتدل الجو فتفرقنا بين الجبال واخذ بعضنا يتبارى في الرماية بالبنادق وإصابة الهدف، وقبيل الغروب عدنا بسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>