هذا في وسطه وآخره كأوله، وذلك مثل: القرآن والصلوات الخمس، وأعداد الركعات، ومقادير الزكوات)
هذا هو التواتر الذي يوجب اليقين بثبوت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما إذا روى الخبر واحد، أو عدد يسير ولو في بعض طبقاته، فإنه لا يكون متواتراً مقطوعاً بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يكون (آحاديا) في اتصاله بالرسول شبهة فلا يفيد اليقين
إلى هذا ذهب أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقد جاء في الرواية الأخرى خلاف ذلك، وفيما يقول شارح مسلم الثبوت (وهذا بعيد عن مثله فإنه مكابرة ظاهرة) وقال البزدوي: (وأما دعوى علم اليقين - يريد في أحاديث الآحاد - فباطلة بلا شبهة لأن العيان يرده؛ وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة، ولا يقين مع الاحتمال. ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله)
وقال الغزالي:(خبر الواحد لا يفيد العلم وهو - أي عدم إفادته العلم - معلوم بالضرورة. وما نُقل عن المحدثين من أنه يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل إذ يسمى الظن علماً، ولذا قال بعضهم: خبر الآحاد يورث العلم الظاهر، والعلم ليس له ظاهر وباطن وإنما هو الظن)
وقال الأسنوي:(وأما السنة فالآحاد منها لا يفيد إلا الظن)
وقال البزدوي تفريعاً على أن خبر الواحد لا يفيد العلم:(خبر الواحد لما لم يفد اليقين لا يكون حجة فيما يرجع إلى الاعتقاد لأنه مبني على اليقين، وإنما كان حجة فيما قصد فيه العمل)
وقال الأسنوي:(إن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع دون العلمية كقواعد أصول الدين)
وهكذا نجد نصوص العلماء من متكلمين وأصوليين مجتمعة على أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، فلا تثبت به العقيدة، ونجد المحققين من العلماء يصفون ذلك بأنه ضروري لا يصح أن ينازع أحد في شيء منه، ويحملون قول من قال:(إن خبر الواحد يفيد العلم) على أن مراده العلم بمعنى الظن كما ورد، أو العلم بوجوب العمل. على أن الكلام إنما هو في إفادته