للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طروسي، وقرأها الناس، ملأت قلوبهم، قبل أن تملأ أسماعهم. . .!

هذاك قلمي يا وتر! إنه أشبه اليراعات بالناي الذي يبكي معك ليبكي الناس! أليس ينفث من شباته ما تتغنى به الإنسانية من ألحان هذا الزمان المضرج بالدماء، مثل ما ينفث نايك من ألحانه الخمرية التي يتغنى بها السهاة اللهاة العرابيد!

اسمع إلى موسيقاي يا وتر، تحملها الصبا من جوانح الأمهات والأيامى والمنكوبات في جنبات الفستولا وحفافي اليانج وضفاف الروهر. ثم من مغاور الأولمب وكهوفه، وليس من شعافه ومشارفه التي كان يصدح فوقها أبوللو، إذ تهدهد مركبته أورورا الوردية فوق السحب مطلع كل شمس

هَلُمَّ أسمعك موسيقاي يا وتر!

هلم أسمعك دقات القلوب النابضة. . . القلوب المجروحة. . . قلوب العذارى البولونيات اللائي لَدَيَّ من همس عيونهن، ومشبوب ضلوعهن، ما لا يدور لك في خلد! تعال. . . أرهف آذانك التي يملؤها الشدو دائماً بما تتشكى هذه الفتاة التي تقول لي وهي تبكي: (لقد كان لي أب. . . لقد كان لي أم. . . لقد كان لي حبيب. . . والآن هاأنذي جائعة. . . هاأنذي ظمأى. . . ظمأى إلى كل شيء. . . إن صدري يمزقه الظمأ، وتشويه الحُرَق، وتقتات به الآلام. . . وإن جمالي الذي كان العالم يفتتن به، قد ذبل، إنه يدمى الآن في أسمال الفاقة، وفي وادي الموت والتشريد. إنه يبكي على الآباء والأمهات والأخوة , , , وعلى كناره الذي كان يملأ جنة حبه بالشدو، ويغسل أرضها بالدمع، ويورق أغصانها بالتغريد. . . يا رب أين ذهب كناري. . . لم لم يفرد جناحيه للريح حين هبت زوابع الهون؟ هل ظن أنه يحول بيني وبينهم بأغنياته؟ ما كان أرق فؤاده يا ربي؟. . . ولكن ما لي أذكر كناري الحبيب ولا أذكر بيانكا. . . بيانكا الصغيرة ذات العامين، التي ظلت تحت الردم يومين، ولما أُخرجت في الثالث سألتني بصوتها النحيل الباكي الذي يتحشرج: ماما. . . أين ماما؟ فلما أنبأتها أنها تنتظرها في الجنة. . . تلك الحديقة الكبيرة اليانعة التي غرستها يد الله، تبسمت، وأطبقت جفنيها وأسلمت آخر أنفاسها وصعدت إلى الله القادر اللطيف لتقابل أمها في الحديقة الكبيرة اليانعة. . . ولعلها تتذكر حينما تلقي البستاني فتروي له ما صنع الهون

<<  <  ج:
ص:  >  >>