للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العربي على الأدب الغربي في أواسط القرن الماضي، فتقاليده غير ممتدة في التربة المصرية، وفنونه وصناعاته غير مستبطن دخائلها، والقائمون بأمره ليسوا كلهم مما يرتفع بهم هذا الفن ويسمو، وذلك لخفة مؤونتهم من التعليم العام والثقافة الفنية. وإن ما انتهى إليه المسرح المصري في شتى نواحي هذا الفن، ولا سيما فن الأداء التمثيلي والإخراج، إنما هو ثمرة الجهاد الذي يقوم على الموهبة العاجزة والميل الشديد أكثر مما يقوم على الموهبة المثقفة والدراية الكاملة بمعارف هذه الفنون ولمقاليدها، وهو جهاد كان يسفر ولا شك عن مستوى أرفع مما انتهى إليه لو أنه أحيط بالدراسات التي تنمي مواهب القائمين به وتوسع في آفاق تفكيرهم وتردهم دائماً إلى الموثوق بصحته من التعاليم الفنية، إذ أن كل فن جميل إنما يقوم على عمادين: الدراسة والميل، ولا يقوم على واحد منهما

ولا أغالي إذا قررت أن فن التمثيل في مصر يتفرد بين جميع الفنون بأنه قائم من غير مدرسة ولا خطة تعليمية ما، وهذه حال تثير العجب والأسف في وقت واحد

وليس فن الأداء التمثيلي وصناعات المسرح وفن الإخراج مما يرتجل ارتجالاً بدفعة الميل والرغبة، وإمداد الجرأة، ومواتاة المدارك فحسب، وإنما هي فنون تقوم على التثقيف النظري الواسع والممارسة السليمة من الزيف، بعد أن تناولها العلم بالصقل والتوليد، فقعّد لها القواعد وأصّل الأصول

نقرر هذا من غير أن نجحد ما للمواهب التي تركبها الطبيعة في الخلق من أثر كبير في نتاج الفنان، فقد وعت حافظة المسرح في مختلف الأقطار أسماء ممثلين اتسم عملهم بالنبوغ من غير أن يخضعوا لتعاليم معهد أو كتاب فن، ولكن هذا النبوغ قليل، يكاد يخرج على كل قاعدة وتعليم، فهو أمر خارق وشاذ لا يؤخذ به في وضع النظم التعليمية العامة

وفن الأداء التمثيلي وفن الإخراج، عنصران لهما خطرهما وأهميتهما في هذا الفن. وذلك باعتبار أنهما أداة الاتصال بين المسرحية والجمهور. المخرج والممثل: الأول يرسم وينشئ، والثاني يؤدي ويطالع الجمهور، فبطريقيهما يجري التأثير وتتم الفائدة من حضور الرواية

وقد سبق لوزارة المعارف العمومية أن أخذت بوجهة النظر هذه بعد أن سجلتها في تقريري الذي قدمته إليها مفصلاً معززاً بأقوال الثقاة من رجال الفن المسرحي في أوربا، وهو تقرير

<<  <  ج:
ص:  >  >>