قدمته عام ١٩٢٩ عقب عودتي من البعثة الفنية في مسارح أوربا ومعاهدها، فكان أن أنشأت معهداً حكومياً للتمثيل عام ١٩٣٠، ولكن هذا المعهد لم يقطع من سني حياته غير العام الأول، ثم ذهب ضحية المنازعات الشخصية التي كان يختلج بها صدر الوزارة في ذلك الوقت، فأغلقت أبوابه بدعوى أنه مخالف للتقاليد الشرقية!
وكان من جراء هذا أن انهار ركن كبير من سياسة إنشائية مرسومة، وحرم المسرح العربي من أن تعمل فيه وجوه جديدة لها مستواها الثقافي العالي ومواهبها الممتازة، فكان ذلك القصور المشهود في فنون المسرح، وكانت هذه المعاناة في سبيل إصلاحه. وها قد مرت اثنتا عشرة سنة منذ أن أغلق المعهد الحكومي أبوابه، بذلت أثنائها جهود مختلفة للارتقاء بمستوى المسرح، ولم تسفر عن شيء في سبيل تحقيق هذه الغاية، وبقيت الفرق العاملة تشكو ما كانت تكابده من ضعف في وسائل الأداء، وما تعانيه من افتقار إلى وجوه جديدة تحمل المشعل بأيد فتية وتواصل الجهاد إلى جانب ذلك النفر العزيز من الممثلين والممثلات المقتدرين، وهم نفر قليل عددهم قد برزوا في فنهم بخصب مواهبهم وفيض مؤهلاتهم. وإنني أتساءل ماذا يحل بالمسرح المصري في ناحية فن الممثل لو أن هذا النفر العزيز تنحى عن خدمة المسرح مختاراً بدافع الشبع والزهد، أو مجبراً بعامل المرض أو الوفاة؟.
إن إنشاء معهد للتمثيل أصبح ضرورة لا مندوحة عن مواجهتها لوزارة الشؤون الاجتماعية التي آل إليها أمر الفرقة المصرية وإعانات التمثيل والموسيقى
وما دامت الوزارة قد أولت المسرح المصري هذه العناية المأثورة إذ تتعهد الآن بنفسها أمر توجيهه وتقويمه ورعاية القائمين بأمره، فما أظن أن رعايتها تقصر عن إنشاء معهد للتمثيل يكون حجر الزاوية لمرحلة جديدة ينتقل إليها المسرح وقد رسخت له قدم ثابتة فيها هي جوهر له وأساس.