نقول إنه قد أصبح مصدراً من المصادر التي يجد فيها الباحث تاريخ الإسلام في عهد أبي بكر وبخاصة تاريخ حروب الردة
أما العقاد فقد اتخذ في تأليفه منهجاً جديداً يباين ما ذهب إليه رجال التاريخ الإسلامي جميعاً، ذلك أنه جعل وجهته دراسة شخصية أبي بكر وتحليل ملكاته. وقد بين هذا المنهج بقوله:(إنني لا أكتب ترجمة للصديق رضي الله عنه، ولا أكتب تاريخاً لخلافته وحوادث عصره، ولا أعني بالوقائع من حيث هي وقائع، ولا بالأخبار من حيث هي أخبار، فهذه موضوعات لم أقصدها. . . ولكنما قصدت أن أرسم للصديق صورة نفسية تعرفنا به وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله كما تجلو الصورة ملامح من تراه بالعين، فلا تعنينا الوقائع والأخبار إلا بمقدار ما تؤدي أداءها في هذا المقصد. . . وهي قد تكبر أو تصغر فلا يهمنا منها الكبر أو الصغر إلا بذلك المقدار، ولعل حادثاً صغيراً يستحق منا التقديم على أكبر الحوادث إذا كان فيه دلالة نفسية أكبر من دلالته، ولمحة مصورة أظهر من لمحته)(ص ٣)
وهذا المذهب لذي اتخذه لدراسة أبي بكر هو ما نحتاج إليه ولا ريب في هذا العصر وما يجب على كل كاتب مجيد أن يسلكه، لأنه كما يقول العقاد:(أوجب مما كان في الأزمان الغابرة لأن الأسباب التي تغض من وقار للعظمة لم تزل تتكاثر منذ القرن الثامن عشر إلى الآن. . . وأن الإنسانية لا تعرف حقاً من الحقوق إن لم تعرف حق عظمائها، وأن الإنسانية كلها ليست بشيء إن كانت العظمة الإنسانية في قديمها أو حديثها ليست بشيء)(ص ٦ و ٧)
ولكي يُحكم التصوير ويُوفى بعمله على الغاية جعل من عقله وفكره وعلمه مجهراً جعله أمام شخصية أبي بكر ثم أجرى قلمه على القرطاس ليرسم ما يستعلن في هذا المجهر حتى خرجت هذه الشخصية في صورة (صادقة كل الصدق في جملتها وتفصيلها)
وإذا كانت الصورة الجميلة التي تغترق العين لا يمكن لواصف أن يجلوها على حقيقتها فإنا نشير إلى بعض ملامح تلك الصورة التي أبدعها قلم العقاد إشارة عابرة تومئ ولا تغنى
لقد جعل العقاد من مذهبه إذا ما ترجم لعظيم أن يستقصي في الدرس ويمعن في التحليل حتى يقبض بيده على مفتاح شخصيته ثم يعطيه لكل باحث لكي ينفذ به إلى سر عبقريتها،