ويكشف عن دخائل ملكاتها. وقد كشفت له دراسته لأبي بكر عن مفتاح شخصيته فإذا هو (الإعجاب بالبطولة) وقد تحدث عن هذه البطولة فقال: إن البطولة التي أعجب بها أبو بكر هي البطولة التي ليس أشرق منها، بطولة تعرفها النفس الإنسانية، هي بطولة الحق وبطولة الخير وبطولة الاستقامة؛ وهي بعد هذا وفوق هذا بطولة الفداء يقبل عليها من يقبل وهو عالم بما سيلقاه من عنت الأقوياء والجهلاء، تلك هي بطولة محمد) ص ٦٨
ولما عرض إلى ما بين أبي بكر وعمر من تقابل قال:(كان أبو بكر نموذج الاقتداء، وكان عمر نموذج الاجتهاد) ص ٨٤ وبعد أن بين ما بينهما من اختلاف في الصفات قال تلك الكلمة الحكيمة: (وموضع العبرة بل موضع الإعجاز هو تلك الدعوة التي شملت هذه القوى كلها في طية واحدة، وضمت هؤلاء الرجال حول رجل واحد، وجذبت إليها أكرم العناصر التي تأتي بالعظائم وتصلح للخير وتقدم على الفداء) ص ٩٥
وإذا كان مما لا ريب فيه أن أهم الأحداث التي نجمت بعد وفاة الرسول إنما هو أمر الخلافة وأمر الردة، فإن العقاد بعد أن استقصى الأمور كلها - في الأمر الأول - وقلبها على جميع وجوهها قال: (ومصلحة المسلمين في ولايته راجحة في كل حساب؛ لأن المسلمين كانوا يومئذ أحوج إلى عهد يكون امتداداً لعهد النبي حتى يحين وقت التوسع والتصرف الخ ص ٣٣
ولقد أصاب العقاد في ذلك، إذ ما كان أحد يصلح للخلافة أو ينهض بأعبائها بعد رسول الله غير أبي بكر، لا لأنه أفضل الصحابة - فما ذلك قصدنا - ولكن لما كان عليه العرب حينئذ عامة، وبنو أمية خاصة، هؤلاء الذين كانت عصبيتهم المكبوتة تنتهز الفرصة للوثبة. فإذا أتيح لها أن تتولى الأمر بعد وفاة الرسول لأعادتها جاهلية، ولصار أمر الإسلام إلى زوال. وناهيك بما فعلوه بعد أن تولى عثمان أمر المسلمين، وكانت الدعوة قد استقرت والأمور قد تمهدت! وإذا كان عهد أبي بكر كما قال العقاد آنفاً امتداداً لعهد النبي فإنه كان كذلك عهد تمحيص وتثبيت. وكذلك ما كان يَصْلح للأمر بعد أبي بكر غير عمر ولا يتولى بعده إلا من يكون في مثل قوته وصرامته حتى يكون أمر المسلمين بعيداً عن أعاصير الأهواء وعواصف الفتن
أما أمر الردة فبينا ترى هيكل باشا يكتفي بأن يقول فيه عن الذين ارتدوا (إن كثيراً منهم