راجعهم الحنين إلى عقائدهم الأولى فلم يلبثوا حين علموا بوفاة رسول الله أن ارتدوا عن دين الله) ص ١٤. ويقف في التعليل عند ذلك، إذ بك تبصر العقاد قد أرجع هذا الارتداد إلى علل منطقية ودلائل عقلية لا نطيل بذكرها. ص ١٤١ وهذا هو الفرق ما بين من يأخذ الأمور من ظواهرها وبين من يوغل في دراستها إلى أن يصل إلى بواطنها
بقي أمر لابد من أن نقول فيه كلمة صريحة، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة بنت الرسول رضي الله عنها وما فعل معها في ميراث أبيها. وهذا أمر نخالف فيه الأستاذ العقاد وكل من يرى رأيه؛ لأننا إذا سلمنا معهم بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي قد قال إنه لا يورث. وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها كأن يخصها بِفَدك، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للخليفة أن يخص من شاء بما شاء؛ وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي. على أن فَدَك هذه التي منعها أبو بكر من فاطمة لم تلبث أن أقطعها (الخليفة) عثمان لمروان
هذه لمحات قصيرة من ملامح صورة أبي بكر التي صورها العقاد؛ أما هذه الصورة على حقيقتها فإنه لا يغني القول فيها عن الاطلاع عليها
ولعل القارئ قد أدرك بما بيناه بعد ما بين عمل هيكل باشا وعمل العقاد؛ فذاك قد آثر حشد الأخبار وسوق الأحداث فِعل الإخباريين، وهذا قد أبدع مذهباً جديداً في التأليف أعانه عليه أنه لم يتوله إلا وهو مستحصد المِرَّة من عقل وفكر، مستكمل الأداة من اطلاع وعلم. وقد خرج هذا النحو من التأليف في عبارة محكمة السرد لم يستلهم فيها وحي الخيال، وإنما استعان بمنطق الفيلسوف الذي يفتح من آفاق الحقائق ما لا يبلغه خيال الشاعر أو الكاتب
وإذا كانت مؤلفات العقاد تعمل على تربية العقل وتنمية الفكر فإن ما يكتبه عن عباقرة الإسلام يربى على ذلك بأنه خير دعاية للدين الإسلامي وأنجع وسيلة لإظهار فضل رجاله الذين هم أهل لكل تعظيم