للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واحد لا يصح أن يقال عنه إنه معنى من معاني القريحة والخيال

وعلى إدمان المرأة البكاء والرثاء لم توجد قط راثية بلغت في هذا الباب ما بلغه رجل كالشريف الرضي في رثاء أمه، أو رجل كابن الرومي في رثاء أولاده، أو رجل كالمعري في رثاء أصدقائه، سواء رجعنا إلى وصف الشعور أو إلى معاني الحكمة ومعارض الاعتبار

وإذا كان هذا شأن البكاء والرثاء فما بالك بالمطالب الأخرى التي لا تقترب من طبائع المرأة هذا الاقتراب

وقد يظن أن التصوير مخالف للفنون الأخرى في هذا القياس لأن النقش والتطريز من معدن واحد على ما يخيل إلى بعض الناظرين، وللمرأة حظ من إجادة التطريز والوشي قد تضارع به حظوظ الرجال في هذه الصناعة الآلية

ولكن الحقيقة بعيدة مما يتخيله هؤلاء الناظرون، لأن التصوير كالتمثيل يعتمد أيضاً على نوعين من القدرة لا على نوع واحد، وهما الخلق والتقليد

فأما التقليد فهو لا يعدو صبغة الألوان وظاهر الأشكال، وقد يتاح للمرأة أن تجيد نقل الألوان ومحاكاة الأشكال فيقال إذن إنه تطريز بالريشة يجري على منوال التطريز بالإبرة ولا يزيد

وأما الخلق فهو صوغ المرئيات في بوتقة النفس والخيال ثم إعادتها على اللوحة صورة نفسية خيالية ليس نصيب العين منها إلا نصيب الأداء والإبلاغ

وهذا هو الجانب الذي لم تنبغ فيه المرأة بين المصورين، ولا نحسب أننا عرفنا مثلاً هاماً من الأمثلة الدالة على إجادتها فيه

وفحوى هذا جميعه أن المرأة موضوع حسن للفن وأهله، وأنها قد توحي إلى أهل الفن معاني يرتفعون بها إلى مراتب النبوغ، ولكن الموضوع لا يخلق شيئاً إلا بخالق، ولو جاز أن يكون إيحاء المرأة للفن حجة على نبوغها الفني لجاز كذلك أن تنبغ البساتين والبحار وكواكب السماء مثل هذا النبوغ

واستحضار هذه الحقيقة لازم جد اللزوم في عصرنا هذا، لأننا نسمع المذاهب الاجتماعية حولنا تمارى على حسب أهوائها ومراميها في تقويم الجنسين بين قائل بالتشابه الكامل

<<  <  ج:
ص:  >  >>