أكبر من نصيب الابتكار والإنشاء، وهما مجال الرواية ومجال التمثيل
أما الرواية فالذي نرجو كما قلنا:(إن المرأة تحسن كتابتها لأنها مطبوعة على الفضول والاستطلاع والخوض في أسرار العلاقات بين الرجال والنساء والإطالة في أحاديث هذه الأسرار مع الاشتياق والتشويق، وهذا كله معدن الرواية الذي تصاغ منه، وهو جوهر من جواهرها قد يغنيها عن المزايا الأخرى من تحليل وتعليل وإبداع، في الوصف والتمثيل)
وأما التمثيل فالإجادة فيه قائمة على قدرتين أو على نوعين من القدرة لا على نوع واحد: قدرة الخلق والإنشاء كأنما يخلق الممثل حياة بطله مستمداً لها عناصر الخلق من حياته. فهو لا يحاكي رجلاً بعينه رآه أو قرأ وصفه وعرف سيماه من الصور والتماثيل، وإنما يعمد إلى صفات هذا الرجل فيفرغها في بوتقة من حسه وخياله ويخرجها من هنالك إنساناً حياً جديداً لا موضع فيه للمحاكاة والتقليد
والقدرة الأخرى هي قدرة التقليد والتصنع وسهولة اتخاذ المظاهر والألوان على حسب الدواعي والبيئات، وهذه القدرة في المرأة على أوفى نصيب، فهي مطبوعة على التصنع والمداراة وإظهار الحب في موضع البغض والتمنع في موضع الإقبال، وهي تتلقى الأحاسيس التي توائم طبيعة الأنوثة لأنها مستغرقة في الحس طوال حياتها فلا يجهدها كثيراً أن تحضر على المسرح إحساساً من الذي جربته أو تقدر على تجربته في عالم الحقيقة
ولهذا نبغ في العالم روائيات وممثلات، وإن لم يعرف عن ممثلة نابغة أنها خلقت دوراً من محض خيالها وتفكيرها كما يتفق لنوابغ الممثلين من الرجال
أما الشعر فلم يكثر فيه نبوغ النساء لما قدمناه من الأسباب، بل هن لم ينبغن فيه حتى فيما هو أقرب إليهن وأحرى أن يتفوقن به على الرجال
خذ مثلاً لذلك شعر الرثاء وهو أقرب إلى المرأة التي تطيل الندب والعويل على موتاها. فهل في آداب العالم كله شاعرة راثية تفوق بالرثاء طاقة الشعراء من الذكور!
الخنساء التي يضربون بها المثل بين الشواعر لا تخرج من ديوانها بأكثر من أبيات متفرقات في بكائها على أخيها قلما ترتقي إلى منزلة الشعر الجيد السيار، وما عدا ذلك من قصائدها العديدة فكله تكرير وترديد وإعادة وإبداء في معنى واحد، بل في ضرب من القول