(الفرنساوية) وقد امتطى ظهر سفينتهم إلى أوربا، واستنكاره لقذارة المصريين وهو يعترف بها في حديثه على مضض
والحق أن للمصريين شهرة بعيدة بقلة النظافة لا يفيدنا في شيء أن ننكرها أو نتصام دون سماعها. وقد رد الأستاذ ذلك إلى سببين: أولهما (الفقر المنتشر والبؤس الشائع) اللذان يحولان بين عامة الشعب واستكمال وسائل نظافته؛ وثانيهما تقصير الحكومة في الدعوة الصحية و (عدم تدخل أولي الأمر في نظافة الشعب وتعويده أن يقوم النظافة قيمتها الحقة)
والواقع أن كلا السببين ينقصه الوجاهة، ويعوزه شيء من صدق التأييد. فالفقر والبؤس لا يغرسان عادة القذارة في نفوس طبعت على حب النظافة، وليس صحيحاً هذا الارتباط الذي نتوهمه بين الفقر والقذارة أو بين الغنى والطهارة!
بل إن الأستاذ لينقض رأيه هذا في نفس الكلمة حين يقول:(ومن نعم الله أن تكاليف النظافة رخيصة إذا وجدت نفوساً تأنف القذر) أما الحديث عن مهمة الحكومة في تنظيف الشعب فحديث عجيب، حتى لكأننا - نحن أفراد هذه الرعية - من طينة، ورجال حكومتنا من طينة أخرى
وهب الأمر كذلك، فما قيمة الشعرة الواحدة البيضاء في أديم الثور الأسود؟ ما أثر دعوة الحكومة إلى النظافة إذا صح أن نرجع بالقذارة إلى أسباب طبيعية أقوى من أن تخضع للإرشاد أو تتأثر بتزجية المقال؟
ولتوضيح هذا نقول: إن جذور القذارة عندنا أعمق مما يبدو في كلام الأستاذ؛ ومنبعها - فيما أرى - يرتد إلى أسباب طبيعية ثابتة قوامها البيئة والمهنة، أكثر مما يرتد إلى هذين السببين المعارضين اللذين ساقهما خلال حديثه
فطبيعة الطقس في مصر، بين شدة حرٍ وندرة مطر، مما يلوث الجو ويوبئه، ويهدم سياج النظافة، بل ويضاعف المشقة على من يتحرى ذلك في ملبسه أو في جسمه، بله المسكن وسائر الأدوات والمرافق الأخرى. ولو راقبنا الأجنبي عندنا في صيف أو شتاء لرأيناه راضياً لنفسه بمستوى من النظافة يقل عما يألفه في بلده، وإلا فهو مرغم على بذل مجهود أكبر، ليصل إلى الدرجة التي كان يبلغها هنالك بأيسر المجهود
هذا ولمهنة المصريين الطبيعية أثر لا يقل عما ذكرناه وضوحاً؛ فالفلاحة لا تترك لدى