الزارع المخلص مجالاً للتحرز من أوساخ الأرض. وليس صميما في مصريته من يكره الخوض في الأوحال أو يضيق ذرعاً بهذا الطمي العالق بماء النيل، وإنه لسبب حياتنا ونعمتنا، بل سبب الرزق الذي يتحدر من أيدينا إلى لهوات شعوب وشعوب
وإن قولتنا المشهورة - أرض مصر من ذهب - لحقيقة صادقة لا يعلق بها مجاز، أو يقلل من تصريحها كناية. فليس بضائر فلاحنا أن يوشي ثوبه بالطين والغبار، إذا توشت ثياب غيره بخيوط الذهب، وتزين صدره بقلائد النضار
وأخلص من كل هذا إلى تقرير أمرين: الأول أن النظافة - كخلق أو عادة أو سمها كيف شئت - تخضع في كل أمة إلى ظروف من بيئتها ومن طبيعة عملها خضوعاً تقف معه عند مقاييس خاصة، وتضطرب بسببه في مجال محدود وأفق معين، يختلفان ضيقاً وسعة عن مثلهما في الأمم الأخرى. والثاني: أن إهمال الحكومة وتفشي الفقر. . . هما داعيان - فقط - من دواعي استدامة هذه الحال التي نشاهدها من قذارة أغلب العامة من أهل مصر؛ ولكنهما ليسا العلة الأساسية في وجود هذه الحالة التي قد ترتقي في بعض الأحيان إلى مستوى (العادة) المتأصلة؛ ولكنها تزول مع ذلك - في سهولة ويسر بالغين - إذا نحن هيأنا لأقذر من نختار من المصريين شيئين اثنين فقط: هما الجو اللطيف، والعمل النظيف
(جرحا)
محمود عزت عرفة
ديوان زهر وخمر
إن من عرف ديوان الملاح التائه فقد عرف الأستاذ علي محمود طه على حقيقته: ذلك لأن روح القلق المشوب بالمرح تغلب على شعر صاحب الجندول حتى لتكاد تجعل منه نغمة واحدة تجمع بين الحيرة والفرحة، وهذه الروح التي تعبِّر أصدق تعبير عن طابع الحياة العام، يلمسها قارئ ديوان (زهر وخمر) في سهولة ويسر؛ فإن ثمة موجة هائلة تغمر بفيضها كل شيء في الوجود، عند صاحب هذا الديوان؛ إذ ينظر المرء فيرى المجداف يمرح، والزورق قد رنحته الأمواج، والأضواء ترقص مع الموج، والشعاع يمرح مع الأمواج الخليعة. . . إلى آخر تلك التعبيرات التي تضفي على كل شيء روحاً من البهجة