كان في هذه الفترة من حياته يعتمد على نفسه اعتماداً تاماً، ولا يكاد يحظي بكلمة عطف من مخلوق، إذا استثنينا هذه الفترات المتباعدة التي كان يُسمح له فيها بلقاء أبويه
وإن من المؤلم حقاً أن نتصور طفلاً في الحادية عشرة من عمره يعاني وحده أعباء مثل هذه الحياة الشاقة المريرة؛ ولكن يبدو أن أباه في معتقله كان يحاول تسوية مشاكله المالية، ولم يكن النظام في معتقلات المدينين يحول بينهم وبين محاولة ذلك. . . ويبدو أيضاً أن تشارلز كان يتلقى من عطف أبويه ومن معونتهما ما يخفف عنه أعباء المسكن ويعفيه من مؤونة الكسوة. وكان يزورهما في نهاية كل أسبوع فيقضي بينهما سحابة يوم الأحد سجيناً مختاراً. . .
ويصف تشارلز بعد سنين ما ألم به في هذا الطور من حياته فيقول: لذا أعتمد على نفسي في تهيئة طعام إفطاري الذي لا يعدو خبزة بلدية بأربعة مليمات وبمثل هذه القيمة لبناً. وكنت أحتفظ بخبزة أخرى مع ثلاث أواق من الجبن فوق رف لي من خزانة خاصة، ليكون ذلك عشائي عندما أعود ليلاً. وكان هذا القدر الضروري من الإنفاق يستغرق جانباً كبيراً من شلناتي الستة التي ينبغي أن أعتمد عليها طوال الأسبوع. وأحسب أن أجر المسكن كان يدفعه أبي، لأني لم أكن أسأل عنه ألبتة. ولم أكن أتلقى أي مساعدة أخرى كيفما كانت - عدا ملابسي على ما أذكر - من صبيحة الاثنين إلى مساء السبت من كل أسبوع. وما أذكر أني حظيت من أي مخلوق بأيسر شيء من الترفيه أو الإرشاد أو المعونة، أما أيام الآحاد فكنت أقضيها إلى جانب أبويَّ في السجن
ولقد طالما تسكعت في الطرقات والجوع يقض أحشائي؛ وأعرف أنه لولا رحمة من الله تداركتني لكان من أيسر الأمور أن أتحول على يد من يريد، لصاً متمرداً أو عياراً متشرداً. . .
انتقل تشارلز بعد حين إلى مسكن قريب من سجن مارشالسي حيث كان هو أول الدالفين من الباب صبيحة كل يوم، لينعم بلقاء أبويه ويتناول معهما إفطاره، وكان في هذا أكبر العزاء لنفسه المحرومة المستوحشة