والعناء في عملك ما يضني الأصحاء والأقوياء، فكيف برجل عليل ضئيل مثلك، فارحل مصاحباً ولكن حدثني عما ألم بك من الهول؟ قال مصدره رسالة الغفران يا سيدي، فليت أبا العلاء لم يكتب رسالة الغفران، قلت لا تقل هذا ولا تكن أثراً، فان لغيرك في رسالة الغفران لذة ومتاعاً، وإذا كانت قد سلطت عليك الهول الذي لم أعرفه بعد، فإنها قد أتاحت لقوم آخرين في الشرق والغرب من الشهرة وبعد الصوت ما لم يسلط عليهم هولا من الأهوال، ولم يغربهم خطباً من الخطوب. ولكن هات حديثك. قال: ما أشك في أن أبا العلاء كان مجنوناً حين كتب هذه الرسالة. قلت رب جنون خير من العقل، ولكن هات حديثك. قال: أتذكر هذا السخف الذي أغرق فيه إغراقاً حين ذكر هذين البيتين القديمين من شعر النمر بن تولب:
ألم بصحبتي وهم هجوع ... خيال طارق من أم حصن
لها ما تشتهي عسلا مصفى ... إذا شاءت وحواري بسمن
قلت هذا من خير ما في الرسالة، وأي بأس عليه من أن يفترض أن الشاعر قد وضع مكان حصن في البيت الأول اسماً آخر كجزء أو حفص أو عمرو، ثم يلائم بين هذا الاسم وبين القافية في البيت الثاني، فهذا نوع من العبث المباح الذي لا يسوء أحداً، وهو مع ذلك يدرب الذاكرة ويظهر شيئاً من المقدرة اللغوية التي يحرص العلماء والأدباء على إظهارها. قال أنت الذي يزعم أن هذا العبث لا يسوء أحداً، وما رأيك في أنه قد ساءني وجشمني ما رأيت وما لم تر من الأهوال والخطوب. فقد أراد سوء الحظ أن أنظر في هذا الكتاب، وأن أقف عند هذا العبث، فأفكر في هذه الخيالات التي كانت تطرق المحبين والشعراء منهم بنوع خاص، والتي كانت إذا تطرق المحبين والشعراء منهم بنوع خاص، والتي كانت إذا طرقت هؤلاء الشعراء أنطقتهم بما تعرف وما لا تعرف من رائع الشعر وبارع الكلام. وأغرقت في هذا التفكير وجعلت استعين بالذاكرة على استحضار شيء من الشعر القديم الذي قاله الشعراء في الخيال الطارق والطيف الملم. ثم جعلت اسخر من أبي العلاء ومن جفاء طبعه وخشونة مزاجه، وجعلت ارثي لأم حصن هذه التي عبث الشاعر بها هذا العبث فلم يترك اسمها حيث وضعه النمر بن تولب، وإنما حذفه واخذ يضع مكانه أسماء أخرى بعدد حروف المعجم، ولو أنه كان رقيق القلب دقيق الحس ممتاز الشعور رفيقاً بالغانيات