للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحب ويبعد العِداء

يظهر أن الآفة هي في طريقة الطب للمجتمع، الطريقة التي تلبس ثوب السيطرة بأقلام الناصحين، ونحن في الأغلب ننسى أن في فطرة الناس ميلاً إلى الدفاع عما يتورطون فيه من ضروب الانحراف، ونجهل أن العنف في النصح قد يخلق للعيوب أنصاراً يجعلون سيئاتها حسنات

أنا موقن بأن سياسة القلم تعوزنا في أكثر ما نكتب، وسياسة القلم معنًى لم نلتفت إليه. ألا ترى كيف نقضي العمر في شقاق مع القراء؟

أين الذي حاول أن يقدم النصيحة المرة في كلمة مغلفة بمجاج النحل؟

وأين الذي واجه الجمهور بأسلوب منزه عن الاستعلاء؟

هذه الحال تشبه أن تكون مرضاً من الأمراض القلمية، وللأقلام أمراض

وأعترف بأن تحرير القلم من الآفات النفسية يحتاج إلى رياضات لا نقدر عليها في جميع الأحايين، لأن الرجل قد يقدر على محاسبة الجمهور ثم يعجز عن محاسبة النفس

وهنالك آفة أخطر وأفظع، وهي آفة المبالغة في تصوير الكمال الذي ننشده للإنسانية، كأن ننتظر أن يعيش الناس بلا أحلام ولا أوهام، وكأن نرجو أن يسلموا جميعاً من طغيان الأهواء، كأن الناصحين سلموا جميعاً من طغيان الأهواء!

أيكون من الخير أن ندعو إلى تجفيف البحار والأنهار ليأمن الناس الغَرَق؟

أم يكون من الخير أن نعلِّم الناس السباحة ونسكت عَن تجفيف البحار والأنهار؟

هنا مَناط المعضلة الأخلاقية، المعضلة التي حيَّرت كرائم الألباب

الشخصية اُلخلقية هي الشخصية المزوَّدة بموجبات الجذب والدفع، وهي الشخصية السليمة من الضعف، ولن تكون كذلك إلا حين تحارب في ميدان من ميادين الأهواء

ولهذه الفكرة شروح سنعود إليها يوم نستطيع محاسبة النفس على التهيب والترقب، ويوم يكون الصدق هو أشرف ما نسمو إليه في عالم البيان

معادن الأرواح والعيون

لكل روح معدن أو جوهر أو عنصر، إلى آخر الألفاظ التي تعبر عن الأصول

والأرواح توحي بأساليب لا تعرفها العيون، وهل كانت العيون إلا وسائل الأرواح في

<<  <  ج:
ص:  >  >>