للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الإيحاء؟ أستغفر الحب، فقد قلت من قبل إن للعين وجوداً ذاتياً يستقل عن الروح بعض الاستقلال في بعض الأحيان

وما سِرُّ العيون على التحقيق؟

هل يعرف أحد كيف كُوِّنت تلك الخلائق اللطيفة بهذا الوضع اللطيف؟

الوجود كله مدين للعيون، فهي التي شهدت بما فيه من جمال وجلال، وهي التي قالت إنه وجود

وما هذا الصُّنع العجيب، صنع الله في إبداع العيون؟

ينقضي الدهر ولا ينقضي العجب من القدرة المطوية في سريرة مخلوق رقيق اسمه العين؛ وستمر أزمان وأزمان قبل أن يُعرف سر هذه الجارحة الظَّلوم

وما قدرة الطب في تعليل هذه القوة الصمدانية؟

هل يعرف كيف تنظر حتى يعرف كيف توحي، وهي أعجوبة الأعاجيب في النظر والإيحاء؟

ومع هذا فقدرة الأرواح أعجب وأغرب، فهي ترسل السهام من إقليم إلى إقليم، وقد تصادق وتعادي وأصحابها أموات في عرف الناس

ذلك المفكر الذي يعبر الآفاق لغزو العقول بعد أن تمر على موته آلاف السنين. ما سر قوته الروحية؟ ما سرُّه وقد اجتاز أسوار روما بعد ألفي سنة ليقتل أحد تلاميذي بالقاهرة؟

وذلك الشاعر الذي قال:

إذا نُشرَتْ ذَوائبُه عليه ... حسبتَ الماَء رفَّ عليه ظلُّ

هل كان يتوهم أن المطربة فتحية أحمد ستنقل خياله بالمذياع إلى جميع الأقطار العربية بعد أن نسيه القاهريون؟

سمعت هذا البيت مع الأستاذ سعد كامل فعجبنا من قدرة الأرواح على اختراق الأزمان

وقال الشريف الرضي:

سهم أصاب وراميه بذي سَلَم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماكِ

فهل كان يخطر في بال الشريف أن هذا المعنى سيكون حقيقة لا مجازاً فيما سيخلف عصره بأجيال طوال؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>