للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيب ان ينزع ذلك الخاتم الذي كان آخر ما بقي لي من زوجي، لم اشك في انه سينزع معه الحياة من هذا الجسم المريض، ولم اكره ذلك، وأي بأس من مفارقة العلة واليأس. فأبلغ زوجي إني فارقت الحياة وانا أحبه، وان مقامي في هذه الارض بعد الموت لن يطول، وأنه خليق ان يعلم اني أراه وارافقه، وأنه خليق أن يرعى ذلك وان يذكرني في شيء من الخير والرفق والوفاء، حتى إذا آن لهذا الخيال ان يصعد في طبقات الجو وان يمضي إلى ذلك العالم الذي تعيش فيه خيالات الموتى، وان تنقطع الصلة بينه وبيني من الاسباب. قالت ذلك ثم نظرت اليّ نظرة قوية حادة، لم استطع ان أثبت لها، وإنما أطرقت برأسي إلى الارض خائفاً وجلا. ثم رفعت رأسي بعد ذلك ونظرت فلم أر شيئاً، وتسمعت فلم ينتبه إلى صوت وانما هي رسالة الغفران مبسوطة أمامي أرى فيها عبث ابي العلاء حول شعر النمر بن تولب. هنالك أخذني هلع ما أعرف اين احسست مثله من قبل، وملكني روع كاد يدفعني إلى الصياح لولا بقية من عقل، وفضل من حياء، ففارقت غرفتي وهبطت إلى الحديقة أهيم فيها انتظر مطلع النهار، حتى إذا ارتفعت الشمس قيلاً أوصيت أهلي بما أوصيت واسرعت اليك. أترى بعد ذلك ان سخف أبي العلاء لم يسؤ أحداً؟ قال ذلك ثم أخذته رعدة غريبة اشفقت أن ترده إلى مثل ما كان عليه من الوجل والاضطراب، فما زلت به حتى رددت إليه الامن والهدوء. وقلت مداعباً: ويحك! ألم تقرآ كتاب أناطول فرانس ذلك الذي سماه جريمة سلسفتر بونار؟ إن فيه قصة ان لم تكن تشبه قصتك هذهمن كل وجه، فانها قريبة منها إلى حد ما، وما أرى إلا انك قد ذكرت صاحبتك هذه في ضوء النهار أو في ظلمة الليل، حتى إذا أخذت تنظر في كتابك اخذك هذا النوم الخفيف الذي تتراءى فيه الأشباح والخيالات. قال مغضباً: اقسم لك ما كنت نائماً ولا قريباً من النائم، وإنما كنت يقظان أشد ما يكون الناس يقظة وانتباهاً، ولكن ما نفع الحديث معك في هذا وأنت لا تؤمن بعالم الخيال. قلت: فاني أشفق عليك من ايمانك هذا فقد تسطيع أن تتحول عن دارك، وان تفارق القاهرة، وأن تنزل من الارض أي منزل شئت، فسيتراءى لك هذا الخيال كلما خطر له أن يتحدث اليك، أو أن يحملك رسالة إلى الاحياء. وماذا تريد الآن أن تصنع برسالته هذه؟ أتحملها إلى من أنت مكلف أن تحملها إليه أم تكتمها؟ فان تكن الاولى فماذا تصنع إن لقيك باللوم لانك تعرض لما لا ينبغي لك أن تدخل فيه، وان تكن الثانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>