للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الضمائر ونجوى النفوس. وما كنت لأتراءى لك الآن لولا انك أغرقت في ذكر الخيال واستحضار الخيالات. ولست اخفي عليك أني كنت أريد حين تراءيت لك أن أداعبك بعض الشيء، فلا تظن أن الدعابة مقصورة على الاحياء، فقد يأخذ الموتى من الدعابة بنصيب أيضاً. كنت أريد أن أتراءى لك على أني أم حصن صاحبة النمر بن تولب، وان اشكر لك عطفك عليَّ ورفقك بي ولومك لأبي العلاء. ولكني لم استطع أن أخدعك لأني لم أتعود خداعك أثناء الحياة. ثم لأني إنما أقبلت إلى هذا المكان لألقى في روعك رسالة كنت أريد أن تبلغها عني، وكنت أريد أن القيها إليك كما تلقى الرسائل إلى الناس في الأحلام، ولكني رأيتك يقظان تنظر في هذا الكتاب فانتظرت لعل النوم أن يسعى اليك، ثم رأيتك تذكر الخيال وتستحضر الاطياف فتراءيت لك، وهل انا الأخيال أو طيف؟ لا تطل النظر إليَّ ولا تقل شيئاً فان نظر الاحياء يؤذيني، وان اصوات الاحياء تثقل عليَّ، ولكن اسمع مني ولتتحدث نفسك إليّ إذا لم يكن لك يد من حديث، واني لأعلم انك تريد أن تسألني كيف اتحدث اليك بصوت يشبه صوت الاحياء، واشفق مع ذلك من سماع صوتك فانا لا اتحدث اليك بصوت يستطيع غيرك أن يسمعه، إنما انت الذي يمنح هذا الصوت قوته وتشخصيه، ولو أن في هذه الغرفة قوماً غيرك لما رأوا من شخصي ما ترى، ولما سمعوا من صوتي ما تسمع، ولكن اصغ اليّ فاني أحس مقدم النهار، واني أكره هذا الضوء الذي يغمر الكون حين تشرق الشمس، والذي كنت أحبه أشد الحب اثناء الحياة، والذي لم احزن على شيء حزني على فراقه قبل أن أموت، والذي لم أتسل عن شيء كما تسليت عنه الآن.

أصغ إليّ فان أريد أن ألقي إليك رسالتي، وان أنصرف عنك قبل أن يهجم ضوء النهار فيبدد ظلمة الليل، وإني لحريصة على أن ألقاك، فان كان لقائي يرضيك الآن كما كان يرضيك من قبل، فأنتهز فرصة كهذه الفرصة، في ساعة كهذه الساعة، وانظر في هذا الكتاب وأطل التفكير فيه، فقد أستجيب لدعائك حينئذ. ثم سكت هذا الصوت قليلاً، وإنما قتلني معه الحب أيضاً، فقد تذكر أن زوجي فارقني قبل أن أموت بأشهر، لأن مرضي المتصل قد ثقل عليه، وقد تذكر اني كنت أظهر تجلداً وعزاء، وقد تعلم أني كنت اخفي في ذلك غير ما اضمر، وانك كنت تشفق علي مما كنت أخفيه. وكنت تود لو استطعت ان تسليني عن بعض ما اجد، فاعلم الآن اني حين ثقلت على العلة، وتورمت اطرافي، ورأى

<<  <  ج:
ص:  >  >>