للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظهرت المقالة حتى تردد اسم ماترلنك، وإذا بالناس يقبلون على مأساته يقرأونها ويناقشونها، ويجعلون كاتبها من العباقرة الخالدين

لقد كتب ميربو يومئذ يقول: (وما أدري إن كان هذا المؤلف شيخاً أم شاباً، غنياً أم فقيراً، ولكني أعلم أن ليس بين الأدباء رجل مغمور مثله، وأعلم أنه أتى بمأساة رائعة، تضمن له الخلود، وتضمن له إعجاب أولئك الذين يتتبعون الجمال، وأعلم أنه أخرج لهم مأساة فتانة كتلك التي يحلُم بها الفنانون الملهمون في ساعات الحماسة، وكالتي لم يكتب أحد مثلها حتى اليوم. لقد قدّم لنا موريس ماترلنك أعظم أثر عبقري في زماننا، لا أغالي إذا قلت إنه يسمو في جماله على ما في آثار شكسبير من جمال، هذه المأساة، هذا الأثر يسمى (الأميرة مالين)، فهل في هذا العالم عشرون رجلاً يعرفها. . .؟)

ولم يصرف هذا النجاح المتألق ماترلنك، عن طريقه التي سار فيها، وشعر بدافع يدفعه نحو الصوفية. . . ودأب على إصدار درامات طريفات، ليس في أدب من آداب الأمم مثلها، وسنلخصها ونبين ما فيها من سحر وجمال

ولابد من الإشارة قبل المضي في تحليل آثار ماترلنك، إلى أن قليلاً من الكتاب مَنْ يستطيع أن يجاري ماترلنك في سلاسة أسلوبه وصفائه، وخصوبة ألفاظه وبراعته، وسحر الجو الذي يحيط به دراماته. وقد يكون من العسير أن أبين لك صفات الأشخاص نفسها، فهي مخلوقات، فوق المخلوقات البشرية لا تحس إحساسنا ولا تشعر بما نشعر به من عواطف دنيا. بل تهزها أبداً عواطف نبيلة سامية، أكثر رفعة، وأكثر صفاء من العواطف التي تغمرنا. ومع ذلك فإنك لترى ألفاظاً عميقة تصف هذه العواطف النبيلة لا تجدها عند غيره. ولقد استطاع أن يصور الحب والقلق والحسد والألم والرعب والطمأنينة بما لم يصفه بها أحد. وهو في أكثر دراماته يحاول أن يبين تلك القُوى العلوية التي تؤثر في مصيرنا وأعمالنا وحياتنا، وهو لا ينصح ولا يدعو إلى الأخلاق. . . عمداً، فقد يضحي من أراد ذلك بجمال المأساة أو القصيدة الفني (ولكن ما على الشاعر أو الأديب من حرج إذا أوصلنا إلى حقائق أخلاقية مقبولة دون أن يُفقِد القصيدة شيئاً من زينتها في شكلها وفكرتها)

وإذن، فنحن إلى جانب عنايتنا بتبيان الناحية الفنية في آثار ماترلنك سنعنى بتبيان آرائه الفلسفية التي يسوقها عن تلك القوى العلوية، عن العالم المجهول

<<  <  ج:
ص:  >  >>