كانت أولى دراماته، كما ذكرنا، الأميرة مالين. فهي التي دفعت به إلى قمة المجد، بعد أن كتب عنها ميربو ما كتب. في هذه الدرامة تشعر بجو غريب لا عهد لك به. . . بلاد واسعة لا نهاية لها، تحسبها في آن واحد، بلاداً خرافية، وحقيقية. . . وفيها يدع ماترلنك الإنسان والطبيعة يقدمان الأدلة على الشك في قوتهما وضعف إرادتهما، وعبوديتهما. في هذه البلاد، ترى بحيرات راكدة محاطة بالغابات، وقصوراً شماً ذات دهاليز مظلمات، وأقبية سوداً مخيفات؛ وترى بروجا مهدمة تريد أن تنقض تحت ثقل القرون الطوال. وترى حدائق غُلباً لا تطأها قدم إنسان، وقد ألفها الحزن والظلام. هذه القصور التي تجثم فوقها ذكرى الجرائم الخاليات، والآلام الدائمات، هي في آن واحد عظيمة وحقيرة، مأهولة ومقفرة. يروع أهلها ذات يوم خوف شديد، فيجتمع شبانها وشيوخها يتبادلون الرأي، ويبحثون في الأمر ويتحاورون محاورات يظهر فيها ماترلنك البعد الساحق بين هؤلاء وهؤلاء في أفكارهم وأعمالهم ومصائرهم
ويبقى القارئ في جو غامض لا يدري أنى يخرج منه. وفجأة تبرز له المشكلة التي بنيت عليها الدرامة. لقد وقف الموت: هذه القوة التي لا ترى أمام الحب والسعادة، لأن هذه القوة الفاجعة، تبغض هذه السعادات؛ هي تبغض الحب، والأمن والهدوء، فهي أبداً تسعى لتهديمها. وهنا يظهر ماترلنك متشائماً، فأي سعادة ترتجيها والموت حيال عينيك لا يزول؟
والحق أنه ليس أدعى إلى التشاؤم واليأس من قدَر مالين. لقد كانت تحب. وكانت تُحَب. لقد سميت على ولي العهد؛ حبيبها وخطيبها. ولكنها، وهي في فوران الهناءة والسرور، تسمع بخيانة خطيبها؛ فتجن وتموت بالخناق دون أن تتثبت مما سمعت؛ ويعلم خطيبها (هجالمار) بما فعلت حبيبته فينتحر
والفكرة بسيطة كما رأيت؛ ولكن ماترلنك يوقظ فيك وأنت تقرأها أدق المشاعر، وأخص العواطف؛ ويؤثر فيك تأثيراً بالغا. ًوهي لعمري درامة شكسبيرية بكل ما في هذه الكلمة من معنى