للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأنموذج المؤثر. ولو أنك طلبت إلي أن أترجم هذا الاسم وكان ذلك من حقي لما وجت خيراً من (أم السعد) فإنا نحس في هذا اللفظ سذاجة القلب وطيبته.

(فليستيه) خادمة من خدم الريف. عقل محدود وقلب رحب. وعن هذه المفارقة يشع نبل حياتها المتواضعة الحزينة. . . مثلها كمثل كلب أمين لأن الأمانة من طبعه، يقاتل دون سيده، ولقد يمسه الأذى ويعود من المعركة لا يذكر إلا ما به من جراح يحيها ألمه. . .)

ولا علاقة لي هنا بقيمة هذه القصة من الناحية الفنية ولا بمقدار إجادة المؤلف في رسم هذه الشخصية. وإنما يعنيني فقط إعجاب الأستاذ مندور بشخصية معينة

إنها ليست مصادفة عارضة أن تكون شخصية (فيليستيه) أو (أم السعد) هي أحب شخصية من شخصيات القصص إلى الأستاذ مندور بما فيها من (سذاجة وطيبة) و (بحياتها المتواضعة الحزينة) وبما فيها من شبه بالكلب الجريح (تحيى آلامه جراحه). وأن يكون آثر ألوان الأدب لديه هو (الشعر المهموس) والنماذج التي اختارها خاصة من هذا الشعر بما فيها من (نفس تئن) و (موسيقى حزينة). وأن تكون دعوته إلى الأدباء، هي الهمس والتواضع والاختفاء. وأن يكون المتنبي والعقاد بما فيهما من فحولة وضخامة وجهارة من الشخصيات التي لا تقع بينه وبينها ألفة في الأدب أو الحياة! إنما هي تلبيه لمزاج خاص يهفو إلى الحنان والحنين، ويستنيم إلى الهمس و (الوشوشة) والتهويم!

ولم تكن كذلك ملاحظة عابرة تلك التي لاحظتها على (مزاجه) فاجتماع هذه المصادفة، إنما يوحي بدلالة خاصة واضحة!

ولا أعيد هنا ما سبق لي تقريره من حاجة الذي يتصدى للنقد إلى أن يوسع آفاقه فينظر إلى ألوان الأدب والى نماذج الشخصيات وأنماط الطبائع من زوايا كثيرة مختلفة، لا من زاوية واحدة صغيرة

فشخصية (فيليستية) بصفاتها تلك، قد تكون شخصية محبوبة تستدعي العطف والرثاء، ولكن الحياة ليست مطالبة أن تحيل الناس جميعاً (فيليستيهات)! لتعجب الأستاذ مندور فهناك شخصيات جهيرة جاهرة، وشخصيات عظيمة شاعرة بما فيها من عظمة، وشخصيات ضخمة جبارة، وشخصيات طاغية عاتية؛ بل هناك شخصيات مريدة شريرة، وشخصيات دعية داعرة. وكلها جديرة بريشة الفنان. وليس نموذج آخر في عرف الفن ولا

<<  <  ج:
ص:  >  >>