للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في عرف الحياة. ولم يقع أن التذ الأستاذ مندور نموذجاً آخر من هذه النماذج البشرية الكثيرة أو عني باستعراضه فيما كتب ولهذا دلالته بلا جدال!

و (الأدب المهموس) قد يكون لوناً محبوباً من ألوان الأدب - مع وجوب التفرقة بين الصحيح منه والمريض - ولكن الحياة ليست مطالبة كذلك أن تحيل الفنون جميعها همساً، لأنها لا تستطيع أن تحيل الطبيعة كلها همسات خافتة أو حشرجات لاهثة لتعجب الأستاذ مندور، فالحياة أرحب من ذلك وأكبر وأعرف بقية الأنماط المختلفات!

وتشاء المصادفات أن يكتب الأستاذ مندور في عدد الرسالة الماضي كلمة في الرد عليّ، فتنضح بدليل جديد على هذا المزاج الخاص حين يقول:

(وأما عن النثر فما أظن القراء في حاجة إلى أن أدلهم على أن (رثاء أحد الشبان لأمه) الذي أورده الأستاذ قطب لا يمكن بحال من الأحوال أن يقارن (بأمي) لأمين مشرق. فرثاء الشاب المذكور لا إيقاع فيه ولا نبل في الإحساس ولا توفيق في الاختيار للتفاصيل. وكيف تريد من شاب يؤلمه من موت أمه أنهم لم يعودوا يعرفون (بأُسرة) أن يصل في فن الكتابة إلى مشرق الذي يذكر (فستانها العتيق) و (يديها اللطيفتين) و (وقع قدميها حول سريره) و (غابة السنديان) وما إلى ذلك من فتات الحياة)؟

وأريد أن أتجاوز عن شئ من الالتواء في اختيار الأستاذ مندور لإحساس واحد من أحاسيس الشاب المصري في رثاء أمه ليس هو أبرز أحاسيسه تجاه الفاجعة، وحشده في مقابل هذا الإحساس الواحد خلاصة أحاسيس أمين مشرق كلها ليصل إلى غرض خاص في الموازنة!

أريد أن أتجاوز عن هذا الالتواء في العرض، وأكتفي بأن أضع بإزائه تصرفي في عرض رأيه هو، وعودتي في المقال الثاني من مقالاتي إلى توضيح هذا الرأي كاملاً بفقرات ونصوص حين أحسست أنني في مقالي الأول لم أعرضه العرض الكافي لتحقيق الأمانة الأدبية!

أتجاوز عن هذا لأتحدث في لب الموضوع فأثبت أولاً للقراء ذلك النص الذي يعنيه من رثاء الشاب المصري لأمه:

(من نحن اليوم يا أماه؟ بل ما نحن اليوم عند الناس وعند أنفسنا، ما عنواننا الذي نحمله في

<<  <  ج:
ص:  >  >>