للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهو قد نصب لأخطاء هذا المجتمع وأغرى بعيوبه؛ وإنه ليحارب هذه الأخطاء والعيوب في كل ما يكتب؛ يتهكم منها أحياناً فيكشف عن سوآتها، ويذيل بسخريته اللاذعة ستارها البراق بحالة تقزز منها النفوس؛ ويصورها بصورة قاتمة محزنة أحياناً فيستثير عليها أعمق مشاعر البغضاء والكراهية. وهو في كلتا الحالتين يعمل على هدمها ويجاهد في تبرئة المجتمع من وصمتها. ومن يقرأ رواية (مغامراة أوليفر تويست) ير كيف يضرب دكنز بسلاحه ذي الحدين في مقتل واحد!

فعوامل البؤس التي ألمت بأوليفر من مبدأ طفولته تحلق في جو الرواية كالسحابات القواتم، وتغمر نفس القارئ بصور من الوحشة والإشفاق والألم تطالعه خلال كل سطر، وتبرز إليه من وراء كل عبارة

فيتم أوليفر الباكر، وحياته البائسة في الملجأ، ثم تحت مسز مان (تلك العجوز التي كانت تتخذ من تربية الأطفال تجارة مربحة!) وانتقاله بعد ذلك للعمل في حانوت مستر سوربري، وسوء المعاملة التي لقيها هنالك مما حمله على الهرب إلى لندن تحت جنح الظلام، ووقوعه ثمة في أيدي عصابة اللصوص التي أوشكت أن تقضي على آخر نوازع الخير في نفسه. . . كل هذه مشاهد أليمة محزنة تملأ النفس بالحسرة، وتثقل على القلب بأشجانها، فلا يخفف من وقعها إلا بعض تلك الجوانب المشرقة التي يعرضها دكنز خلال حديثه فينفس عن القارئ بعض التنفيس. . . كشخصية مسز سوربري - عنوان - وابنتها شارلوت، ومشهد اشتباكهما في معركة مع أوليفر المسكين قبيل هروبه بهيئة تختصب منا الابتسام وإن كانت القلوب مفعمة بالألم؛ ثم منظر القبض على أوليفر في لندن عندما (نشل) زميلاه منديل المستر براونلو، واندفاع المارة خلفه وهم يتصايحون بإيقافه وفي مقدمتهم اللصان الأصيلان؛ وخروج جمهور مسرح بنش برمته والرواية في أدق مواقفها للاشتراك في مطاردة اللص المزعوم. . . إلى آخر ما هنالك. فهذه كلها مواقف مرحة طريفة تستجلب الضحك وتقلل من عنف المأساة التي تمثلها حوادث القصة، فيسير القارئ خلال فصولها وقد اعتدل مزاجه أو كاد، وتوازنت دواعي القلق والارتياح في نفسه

هذه الفكاهة

على هذا النحو البارع يجمع دكنز في حديثه بين الجد القابض والفكاهة المرحة، وفي

<<  <  ج:
ص:  >  >>