يعد لها أن تختار وتيرة الحقيقة. والصور يمكنها إذا شاءت أن تندفع بسرعة جنونية كما تتعاقب الصور السينمائية إلا إذا نظمنا تعاقبها. فلا التدفق ولا الغزارة يبرهنان عن قوة في محيط النفس، إلا أن الضبط والدقة في الانسجام يتطلبان مجهوداً. أما إذا تمردت الذاكرة المعبرة والتفتت إلى الحياة وخرجت عن حالة الحلم فالحوادث الخارجية تقسم حينئذ مجراها وتخفف وطأتها مثل رقاص الساعة يقسم أجزاء ويوزع على عدة أيام تمدد الزنبرك مع اللم بأن هذا التمدد يصير في الحال إذا ترك وشأنه
بقى لنا أن نبحث لماذا يختار الحلم هذه الذكرى أو تلك مفضلاً إياها على الذكريات الأخرى التي يمكنها أن تنطبق أيضاً على الإحساسات الحالية. لا يمكننا أن نعبر عن خاطر الحلم ولا يمكننا أن نعبر عن خاطر اليقظة، لكن يمكننا أن نشير إلى اتجاههما البين. ففي النوم الطبيعي تعيد لنا أحلامنا في الغالب الأفكار التي مرت بنا كالبرق، أو الأشياء التي أدركناها بدون أن نعيرها انتباهاً. وإذا حلمنا أثناء الليل بحوادث النهار فالحوادث التافهة لا الحوادث المهمة هي التي يكون لها حظ الظهور. وإني أؤيد نظريات دلاج وروبرت وفرود في هذا الصدد. أنا في الطريق أنتظر الترام ولا يمكنه أن يمسني لأني واقف على الرصيف؛ ولكن إذا طرأت علي فكرة خطر ممكن عندما يمشي الترام. لا بل أكثر من ذلك: إذا تراجع جسمي بدون انتباه وبدون أن أشعر بأي خطر فيمكن أن أحلم في الليلة السابقة أن الترام قد دهمني. أعود أثناء النهار مريضاً حالته تدعو إلى اليأس، ويكفي أن يمر شعاع أمل بسيط ولمدة لحظة وجيزة - شعاع أكاد أشعر به - حتى يظهر لي حلمي أثناء الليل أن المريض قد شفى، وعلى كل حال سأحلم بشفاء لا بمرض أو موت، بالاختصار ما لم نعن بمشاهدته له الأفضلية في الرجوع والعودة. ولا غرابة، فالشخصية التي تحلم هي شخصية ساه تتمدد. والذكريات التي تتفق أحسن اتفاق مع هذه الشخصية هي ذكريات السهو التي لا تحمل معها علامة المجهود
هذه هي الملاحظات التي أردت أن أقدمها لكم في موضوع الحلم. أنها غير وافية. فهي لا تبحث إلا في الأحلام التي نعرفها اليوم وفي الأحلام التي نتذكرها والتي ترجع إلى النوم الخفيف؛ ولكن إذا كان النوم عميقاً فربما تحلم أحلاماً من نوع آخر ولا يبقى منها شئ عند اليقظة