١ - أخالفك كل المخالفة في قولك: إن (شاف) بمعنى (رأى) يستعمل في اللغة، بدليل (تشوف) بمعنى نظر، أن العرب في جميع الأقطار يقولون (شافه) بمعنى (رآه)، وقد (شفتهم) بعينك. وأقول: الحق أن العرب العرباء لم تستعمل شاف بمعنى أبصر لا في شعر ولا في نثر، ولو كان ذلك لنقل إلينا في معاجم اللغة؛ أما الذين سمعتهم يلفظون هذه اللفظة فهم عرب في النسبة لا في اللغة الصحيحة الفصيحة!
وفي قولك: إن علماء البلاغة منذ عشرة قرون أخطأوا في تخطئة المتنبي حين جمع بوق على بوقات في قوله:
فإن يك بعض الناس سيفاً لدولة ... ففي الناس بوقاتٌ لها وطبول
وأنك تفردت برفع الظلم عن المتنبي، وجعلت البوقات جمع (بوقه) مصغر بوق، وهي لفظة اصطلاحية في موسيقى الجيش العربي، كما يؤخذ ذلك من نصوص في بعض كتب التاريخ. وأنا أقول: إن كتب التاريخ ليست متون لغة يعتمد عليها في إثبات الكلمات العربية. وأضيف إلى ذلك أن لفظة (بوقة) بمعنى مذكر (البوق) لم ترد في كلام العرب بهذا المعنى
بقي يا دكتور أنك سقت فائدة صرفية لم تر أحداً من الصرفيين نبه عليها في كتب الصرف. وهي (جعل التأنيث من صور التصغير. فالبوقة أصغر من البوق، والطبلة أصغر من الطبل، والبحرة أصغر من البحر، وقد بولغ في تصغيرها فصارت بحيرة. وما الربعة إلا مصغر الربع بلا جدال
ولكن ما قولك في أن الأمثلة التي سقتها لما فيه التأنيث غير صحيحة؟ فليس في لغة العرب (بوقة ولا طبلة ولا بحيرة ولا ربعة) بالمعنى التي تريدها، حتى يحتاج الصرفيون إلى التنبيه على أن التأنيث قد يكون من صور التصغير. أما لفظ (بحيرة) فهو من الكلمات التي لم تستعمل إلا مصغرة كقولهم: كميت للفرس، وكعيت وجميل لطائرين صغيرين
ثم قلت: وأنكر قوم جمع صناعة على صنائع، فحملوا وزارة المعارف على تغيير أسم مدرسة الصنائع، مع أن لهذا الجمع شواهد تفوق العد. والواقع يا دكتور أن صناعة لم تجمع في لسان العروبة على (صنائع) لا في منثور الكلام ولا في منظومة.
وليعلم أن (صنائع) في كلام العرب جمع صنيع أو صنيعة وفنه الحديث (صنائع المعروف