وأنا أحب أن يعلم الأستاذ قطب، وأن ينقل إلى الأستاذ الكبير العقاد أن الحياة البشرية ليست من البساطة بحيث يظنان؛ وليس بصحيح أن بين الرجل والمرأة اختلافاً في الطبيعة. وقديماً زعم اليونان - وزعمهم الحق - أن الآلهة عند خلقها للبشر لم تخلق الرجل والمرأة دفعة واحدة، بل خلقت أعضاء مختلفة ثم جمعت بين تلك الأعضاء لتسوي الرجل والمرأة، وهي لسوء الحظ أو حسنه لم تحرص على نقاء الرجل من عنصر المرأة أو نقاء المرأة من عنصر الرجل. ولهذه الخرافة الرمزية دلالتها، فليست هناك امرأة كاملة الأنوثة، وليس هناك رجل كامل الرجولة، ومن يدعي غير ذلك إنما يصدر عن عقل باطن أمرضته سخافات العقلية الاجتماعية التي نحيا بينها
واليونان لا ريب كانوا في خرافتهم هذه أنبه مني ومن العقاد، وطبعاً من الأستاذ قطب. وإنه لمن الحمق أن نحاول تنقص الرجل برد إحدى أحاسيسه إلى المرأة، والشعوب المتحضرة ترى على العكس من ذلك أن في إحساس الرجل كالمرأة موضع فخار لكبار رجال الفن والأدب. ولعل الأستاذ قطب قد سمع من العقاد أن رينان قد وصف بأعظم الصفات كفنان عندما قيل عنه (أنه كان يفكر كرجل، ويحس كامرأة، ويتصرف كطفل)
الفتات
وأما فتات الحياة (التي يعرف كبار الأدباء كيف يلتقطونها بأنامل ورعة) فالظاهر أن الأستاذ قطب لم يدرك ما أردته منها. وهاأنا أبسط القول. والأستاذ قطب لابد قد فهم عن الأستاذ الكبير العقاد أن كل فن اختيار للتفاصيل الدالة. فالمصور يختار من الألوان والأضواء وتفاصيل المنظر أقدر الجزئيات على الإيحاء، وكلما سما الفنان في فنه ورهف في وسائله عرف كيف يختار تلك الجزئيات الصغيرة، وليس ثمة علاقة بين (فتات الحياة) التي يختارها (وضخامة الإحساس) الذي يريد أن يثيره، فالإحساس من الواجب طبعاً أن يكون قوياً؛ وموضع الإعجاز هو أن يثير الفنان هذا الإحساس القوي (بالفتات) التي لن يدركها الأستاذ قطب؛ بل أن جميع المثقفين في حقائق الفن والأدب ليعلمون لخبرتهم الطويلة بكافة الفنون في العالم المتمدن أن إثارة الاحساسات القوية لا يمكن أن تكون بغير فتات الحياة الأليفة الوثيقة الصلة بالبشر؛ وأما الطنطنة وأما تضخيم التوافه وأما عجيج