الألفاظ وأما التبجح بالقوة الجوفاء فهذه وسائل العجز والادعاء والجهل
أضرب للأستاذ قطب مثلاً بسيطاً أختاره من السينما لنبعد عن الأدب العسير الفهم
في أحد الأفلام أراد مؤلف القصة أن يحمل المشاهدين على إدراك ضيق بطل الرواية لطول انتظاره أمراً يهمه فلم ينطقه بخطبة، ولم يعبث بملامحه، ولم يحمله على تمزيق ملابسه أو شد شعره، ولا حمله على الصياح في أجواز الفضاء، بل عرض على الشاشة بطلنا وأمامه منفضة سجاير خالية، ثم غير المنظر وعرض الرجل في نفس الجلسة، وأمامه المنفضة وقد امتلأت بأعقاب السجاير حتى فاضت. هذه المنفضة المليئة بأعقاب السجاير لا شك من فتات الحياة بل من هيناتها، ولكن أو ما يرى الأستاذ قطب أنها وسيلة قوية من وسائل الأداء وأنها قد حملتنا على إدراك نفسية البطل إدراكاً لن تبلغه قصيدة طويلة من قصائد الأستاذ قطب أو قصائد غيره؟
هذه هي (فتات الحياة) التي يجب أن نعرف قدرها في الفن؛ ولكننا قوم فطريون نظن الفن ألواناً فاقعة وضجيجاً خاوياً. نعم يا أستاذ قطب أنا أوثر (الأطياف الباهتة) لأنها نسيج كل فن رفيع؛ وأما (الأطياف الزاهية) فلا تسر غير البدائيين من الناس. أو لا ترى إلى زنوج أفريقيا كيف يستهويهم الأحمر القاني والأصفر الكركم؟
وأعود فأكرر أننا في سبيل الحديث عن طرق الأداء في الفن؛ وأما قوة الإحساس المثار فلا دخل له بالفتات إلا أن تكون هذه الفتات مبعث ذلك الإحساس القوي
وأما أنني أستطيع أن أستقل بالمشاعر الضخمة وبالفحولة والجهارة أو لا أستطيع فهذه دعوى لا أحب أن أناقشها لأنها صغيرة، ولسنا في مجال مبارزة أنحدر إليها ورحم الله من قال:
(أسرع الناس إلى القتال أقلهم حياء من الفرار). ونحن نناقش مسائل فنية يدور حولها الأستاذ قطب. يدور من الخارج.
مختارات الأستاذ قطب
قلت: إنني أحب المتنبي وأرى فيه شاعراً كبيراً ويأبى الأستاذ قطب إلا أن يقول ويكرر أنني لا أحبه؛ وهو يقرن العقاد إلى المتنبي، وفي هذا ظلم للمتنبي وللعقاد، فالمتنبي شاعر والعقاد لا شأن له بالشعر، ولا أدل على ذلك من مختارات الأستاذ قطب نفسها