لقد أتى الأستاذ قطب بنموذج للنثر المصري الجيد رثاء أحد الشبان لأمه؛ والشاب صاحب الرثاء هو الأستاذ قطب نفسه؛ واحتجاج الإنسان بنثره الخاص شيء سمج؛ وأمعن في السماجة أن يتحدث المرء عن نفسه في مناقشة الغير فيدعي أن في نثره (معاني كبيرة وأحاسيس عميقة) هذا الأسلوب ليس من آداب المناقشة، ولهذا أهمل نثر الأستاذ قطب كله وأترك له مهمة الحديث عن نفسه
وأما مختاراته الشعرية فهي أولاً لشاعر مصري كبير، وثانياً لشاعر من شعراء الشباب المصريين. فأما شاعر الشباب فهو أيضاً الأستاذ قطب ولهذا أهمله وأهمل شعره لأنني لا أطيق هذه الصفاقة، ثم أنني لا أرى من اللياقة أن أناقش أشعار التلميذ بينما لدي أشعار الأستاذ نفسه، لدي أشعار الشاعر المصري الكبير العقاد فالشعر له والأستاذ قطب في ركابه
ولنأخذ من الصور الشعرية التي أوردها الأستاذ قطب للشاعر الكبير العقاد قصيدته (الكون الجميل)(رسالة عدد ٥٢٠). قال الشاعر:
صفحة الجو على الزر ... قاء كالخد الصقيل
لمعة الشمس كعين ... لمعت نحو خليل
رجفة الزهر كجسم ... هزه الشوق الدخيل
حيث يممت مروج ... وعلى البعد نخيل
قل ولا تحفل بشيء ... إنما الكون جميل
وقال الأستاذ قطب معلقاً على جمال هذه الأبيات أن فيها ألفة وأنه يكاد يلمح الشاعر (متسع الحدق مغفور الفم وهو ينشق بل يلتهم ما في الطبيعة) وأنا لا أدري أي ذوق أدبي ذلك الذي يحمل الناقد على تصوير الشاعر (متسع الحدق مغفور الفم)، وهل يستطيع القارئ أن يتصور هذه الصورة القبيحة دون أن يملكه الاشمئزاز والضحك. تصور شاعراً مفتوح العينين فاغر الفم. هذه صورة أبله لا صورة شاعر
ثم أين الجمال في هذه الأبيات؟
يا لله! ما هذه الصفحة؟ أهي السحب؟ أهي الأثير؟ وهل هذه الصفحة غير الزرقاء؟ وهبها كانت غيرها أهي كالخد هذا الفضاء الرحب، الفضاء المترامي الذي تسبح فيه الروح فلا تنتهي إلى غاية. هذا الفضاء خد. وكيف تصقل الأثير، الأثير اللين الشفاف الخفيف؟