جمع الخليل في كتابه هذا من غرر الشواهد، ونوادر الفوائد، وضروب الحصر، ورصين القواعد، وجليل المسائل ما يعز وجوده في معجم غيره. على أنه تضاربت آراء العلماء في نسبة هذا الكتاب إلى الخليل أو إلى بعض تلاميذه أو إلى الليث. وقد ألف ابن درستويه كتاباً خاصاً في شرح هذا الخلاف واستقصى الجلال السيوطي في المزهر جميع ما دار في هذا الموضوع من أقوال. ولكن نحن لا نرتاب في أن الخليل هو الذي رسم خطط هذا الكتاب ورتب أبوابه ووضع حجر الزاوية بيده، أما أن غيره أكمله وزاد فيه فذاك أمر محتمل، ولكنه لا يدفع الخليل عن كونه المجلي في هذه الحلبة وأنه أول واضع لمعاجم اللغة مرتبة على حروف المعجم، وأن من جاء من بعده إنما اقتبس من مصباحه واهتدى بمناره. ولم يزل جمهور الأدباء وأرباب البحث لهذا العهد يظنون أن هذا المعجم الجليل اغتالته أيدي الأيام فيما اغتالت من نفائس الأسفار وجليل الآثار؛ ولكن من يمن الطالع أن عثر على نسخ منه أحد أدباء الحاضرة الهاشمية، فسعى البحاثة المشهور صاحب (لغة العرب) بمقابلة تلك النسخ وتصحيحها باذلاً الجهد في تحري الصواب على عادته، ثم شرع في طبعه ولكن بعد أن أنجز منه بضع كراريس حالت الحال، وعرضت دون ذلك أهوال. ولا ندري هل بقى لتلك النسخ من أثر بعد أن تفرقت كتب الرجل أيدي سبا ومزقت كل ممزق؟
جرى كل ذلك قبل نحو بضع وعشرين سنة
وقد سلك الخليل في ترتيب حروف الهجاء مسلكا لم يسبق إليه، ذلك أنه رتبها حسب المخارج مع تغيير طفيف فجاءت على هذا الوجه: ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وا ي
قال الخليل: لم أبدأ بالهمزة لأنه يلحقها النقص والتغيير والحذف ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة، ولا في أسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية لا صوت لها فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين ولحاء فوجدت أنصع الحرفين فابتدأت بها ليكون أحسن في التأليف. أهـ
هل كان الخليل يقرض الشعر؟
قالوا: كان ينظم البيتين والثلاثة كما سيأتي. وروي الإثبات أنه سئل لماذا لا تقرض الشعر