الفقر يضرب على مكتبتنا العربية في هذا الباب لولا ما أخرج العقاد عن سعد زغلول، وما أخرج عبد الرحمن الرافعي عن الزعيم الوطني مصطفى كامل، وما وصنعه محمد فريد أبو حديد مع السيد عمر مكرم، وما كتبه كريم ثابت عن فؤاد الأول
إلا أن هؤلاء استوحوا وطنهم واستمدوا من تاريخ بلادهم وترجموا الأعلام رجالهم، ولكن فؤاد صروف استشرف إلى ما وراء العباب، واستكف ما خلف السحاب، فكتب كتابه الأول عن تشرشل (وقد كتبت عنه في حينه بالرسالة الغراء) وأخرج كتابه الثاني عن روزفلت. ولكن ذلك لا ينقص من شأن كتابه، بل على الضد من ذلك يرفع من قيمته ويغلي من بضاعته. لأن حياة روزفلت وسيرته وقصة كفاحه هي شطر من حياة الديمقراطية وقصتها. ومن منا اليوم لم تشغله قضية الديمقراطية ولم تفتنه قصتها؟ ومن منا لم تذهب نفسه اليوم حسرات على المحنة التي تبتلي الحرية اليوم بها وتصلى بنارها؟
ولا يرجع إعجاب فؤاد صروف بشخصية روزفلت إلى زمن اشتراك أمريكا في الحرب، ولا إلى اندلاع الشرارة الأولى لها حتى يقال إنه حب طارئ وإعجاب عارض؛ ولكنه حب متمكن وإعجاب قديم دفين يرجع إلى أكثر من عشرين عاماً حين رشح الرئيس روزفلت نفسه لوكالة الجمهورية. فقد تابعه المؤلف منذ ذلك الحين وشغف به وتحمس له وتقصى كل نبأ عنه أو خبر له، وطوى نفسه على متابعته والقراءة عنه حتى تهيأ له اليوم أن يخرج كتاباً قيماً في مائتين وأربعين صفحه من القطع الكبير
ولقد كانت تجري كتابة التراجم في اللغة العربية على نسق محدث ممل يعني بالسرد والقص والحكاية والجمع والترتيب والتأريخ ولا يعنى بالدراسة السيكلوجية والتحليل والنظرة العامة أو المقارنة. وكتب المؤرخ ابن الجوزي عن العمرين (ابن الخطاب وابن عبد العزيز). وكتاب يوسف بن شداد عن صلاح الدين الأيوبي خير مثال لهذا النسق العتيق
أما اليوم فقد تغير المجرى واستقام النسق وتأثر كتاب العربية بكتاب الفرنجة في هذا الباب، وأخذ عنهم طرق الدرس ومناهج البحث، وظفرت المكتبة العربية بما كتب هيكل عن النبي محمد وأبي بكر، وبما كتب العقاد عنهما وعن عمر وسعد زغلول، وبما كتب الرافعي عن مصطفى كامل؛ وفؤاد صروف عن روزفلت