وكتابة التراجم لها في الآداب الأوربية اعتبار أي اعتبار، ولا يكاد يخلو إنتاج أديب ملحوظ من ترجمة شخصية أعجب بها وتوفر على درسها، مهما كان لون هذه الشخصية ومزاجها ومجالها الحيوي في السياسة أو العلم أو الفن. فلويس ديمييه يكتب عن ديكارت الفيلسوف، وهنري بيرو يكتب عن روبسبيير، وفرانسوا مورياك عن راسين، وراؤول أرنو عن كاميل ديمولان، وأميل لدويج عن روزفلت
ومن كتب التراجم ما يتحدث فيه المرء عن نفسه ويترجم لذاته. وهذه التراجم غير كتب المذكرات التي يدون فيها رجل ممتاز حوادثه اليومية كمذكرات اللورد جراي. وقد تكون هذه التراجم الذاتية قطعاً أدبية ممتازة كترجمة (لي هانت) لنفسه وهو من كتاب الإنجليز في القرن التاسع عشر، وترجمة دي كوينسي التي كانت سابقة على كتابه المشهور (اعترافات آكل أفيون)، وترجمة جيبون المؤرخ الإنجليزي التي حكم لها النقاد بالامتياز في نوعها وأسلوبها الذي يعد بحق مزية ذلك المؤرخ العظيم
والترجمة للأناس تتطلب فناً غير ترجمة الحيوان الأعجم. لأن ترجمة الناس تقتضي الاختلاط بهم أو السماع عنهم أو القراءة لهم أو رؤية آثارهم. أما الترجمة للحيوان فتقتضي ملاحظة أقوى وجلداً أكثر، وعلماً أغزر، وإحساساً أعمق. وتوفر الكثير من هذا في موريس مترلنك، فترجم لحياة النحل وحياة النمل بما لا يتهيأ لكاتب عادي أن يصنعه. ولكن لدويج ترك ترجمة الحيوان إلى ترجمة الذوات. . . فكتب عن (النيل) كتابه الذي جسد فيه هذا النهر الخالد كأنما كان يترجم لإنسان
ولكتابة التراجم سبيلان: سبيل الاتصال الشخصي بالمترجم له والاختلاط به والعمل معه أو تحت ظله وفي ذراه؛ وسبيل القراءة عن المترجم له وذلك لبعد الزمان بين الكاتب وبينه كما صنع ارفنج ودرمنجهم عن النبي، أو لبعد المكان كما صنع فؤاد صروف مع روزفلت اليوم
وإذا جمع كاتب التراجم بين قرب الزمان والمكان من المترجم له كان ذلك أقرب إلى الصدق وأدنى إلى الحق، وخاصة إذا كان الكاتب غير ميال إلى الهوى في حكمه أو الغرض في رأيه. ولكن بعد الزمان وحده خير ضمان للاعتدال في الحكم لبعد الكاتب عن المؤثرات والمغريات