فسيرة ابن شداد عن صلاح الدين هي أقرب السير زماناً ومكاناً من المترجم له. فالمؤلف معاصر لصلاح الدين وقاضي عسكره وناظر أوقاف بيت المقدس في عهده. وهي سيرة صادقة إلا أن فيها بالطبع بعض الميل
جرت عادة القراء أن يبدءوا الكتب من أول فصولها. ولكنني قرأت (روزفلت) من الفصل الثالث. وهو عندي خير فصول هذا الكتاب القيم. فهنا سيرة زكية من النضال والكفاح. هنا قوة تسري من الكتاب إلى القارئ فتوحي إليه أن الضعف ليس عدة الرجال ولا أداة الأبطال. هنا جسد اصطلح عليه المرض ومشى فيه الشلل، ولكن عزيمة صاحبه كانت أقوى من أن تخضع للحوادث. هنا سيرة يقرؤها المريض فيصح، والضعيف فيقوى، والهيابة النكس فيتقدم
وقد تمد فصول الكتاب الخمسة عقل القارئ بألوان من العلم والسياسة والمعرفة بأحوال العالم الجديد ونظمه ودستوره ومجلسيه التشريعيين وحكومته ونظام اقتصاده؛ ولكن الفصل الثالث يمد قلب القارئ بالشجاعة ويملؤه بالقوة ويجعله موصول الآمال، حتى في الساعات الحرجة واللحظات العصيبة، لأن الإرادة القوية تغلب كل حرج؛ وتتحكم في كل شدة. فهذا الرجل المشلول لا ينطوي على نفسه كمن تقعدهم الأدواء ولكنه طلعة دءوب، فكيف تصده آفة جسدية عن تحقيق مطامعه القوية؟
ومزية كتاب (روزفلت) أنه ليس من الأدب المحض وحده أو الفن الصراح وحده، فليس من نوع النثر الفني المقصود لذاته؛ ولكنه فكرة قبل أن يكون كتاباً، ومعنى قبل أن يكون لفظاً، فهو طراز عال من كتب السياسة الأدبية التي اتجه إليها الكتاب في العصر الحديث. فلم يحاول فؤاد صروف فيه أن يكون عالماً فحسب أو سياسياً فحسب أو أديباً فحسب، ولكنه كان مزيجاً من ذلك كله. فهنا علم بالنظم الأمريكية، وهنا معرفة بتيارات السياسة الدولية؛ وهنا إحاطة واسعة بأشتات التاريخ الذي وعاه المؤلف في صدره؛ وهنا أدب يتجلى في تعبير مترسل مستقيم المنطق صحيح التسلسل؛ وهنا ريشة مصور لا أقول إنها عنيفة ولكنها صادقة ترسم الحدود وتوضح المعالم في بيان وجلاء
وهو كتاب يذكرني بكتاب أندريه مورواه الفرنسي في تاريخ إنجلترة