أبي المجد محمد بن عبيد الله (حفيد أخي المعري) ورد فيها من حديث الأمير أسامة بن منقذ عنه، قوله:. . . ولما فارق أهله بالمعرة وبقى منفرد (يعني في قلعة شيرز التي هاجر إليها بعد دخول الإفرنج المعرة) وكان له غلام اسمه شعيا، قال:
زمانُ غاض أهلُ الفضل فيه ... فسَقْياً للحمام به ورَعْيا
أُسارَي بين أتراكٍ ورومِ ... وفقدُ أحبهِ وفراقُ شَعيا
وقد أشار المصحح في هامشه إلى كلمة (وفراق) فقال: (في الأصل ورفاق، وهو تحريف)! والرأي عندي في ذلك أن التحريف هو ما أثبته المصحح لا ما ورد بالأصل. إذ (الرفاق) هنا بمعنى المرافقة وقد اشتق كلاهما من الفعل (رافق) كما يشتق الخطاب والمخاطبة من خاطب، والقاضي هنا يشكو صحبة خادمه شعيا ومرافقته لا فراقه
والدليل على ذلك ما قاله الأمير أسامة مستأنفاً حديثه عن القاضي: (. . . وقد سبقه إلى هذا المعنى الوزير المغربي، فإنه لما تغيرت عليه الوزارة وتغرب، كان معه غلام اسمه داهر فقال:
كفى حزناً أني مقيم ببلدة ... يعللني بعد الأحبة داهر
يحدثني مما يجِّمع عقلُه ... أحاديث منها مستقيم وجائر)
فالوزير هنا يشكو صحبة غلامه داهر الذي يرمض نفسه بأحاديثه الجامعة بين الغث والسمين، ومثل ذلك تماماً شكوى القاضي من غلامه شعيا
ذلك خطأ وقع فيه المصحح؛ وقد أنجز بسببه إلى ارتكاب خطأ آخر أبينه فيما يلي
قال الأمير أسامة متابعاً حديثه: لما بليت بفرقة الأهل، كتبت إلى أخي أستطرد بغلامي أبي المجد والوزير المغربي، اللذين ذكراهما في شعريهما:
أصبحت بعدك يا شقيق النفس في ... بحر من الهم المبرِّح زاخر
متفرداً بالهم، من لي ساعةً ... برفاق شعيا أو علالة داهر!
فقد قال الأمير مرة أخرى (برفاق) شعيا؛ وكأن المصحح لم يجرؤ هنا على معاودة التغيير، لما يؤدي إليه من إخلال بالمعنى الذي يقصده الشاعر، ثم لما قد يوهمه ذلك من ادعائه أن التحريف وقع في كلام القاضي مرة وفي كلام الأمير أسامة مرة أخرى.
فدفعه كل هذا إلى إبقاء كلمة (رفاق) على حالها ثم التعليق عليها بقوله: يعني أمثال شعيا