وراح يسأل: هل للصين فلسفة أو مذهب فلسفي كمذهب ديكارت مثلاً أو كانت أو غيرهما من المذاهب التي تقيم لنا بناء منطقياً شامخاً للتعريف بأسرار الكون؟
ثم أسرع يجيب: كلا، مع الفخر!
فأما (كلا) فهذا صحيح وينطبق على الصين كما ينطبق على بلاد شرقية كثيرة
وأما (مع الفخر) فهذا الذي فيه قولان أو أكثر من قولين
والواقع أن فلسفة الصين كلها تنحصر في موضوعين متقاربين: أحدهما آدب السلوك، والآخر رياضة النفس على علاج الأهواء ومسايرة الحياة
ومن كلام لن يوتانج هذا:(إنني - حين أتكلم بلسان الرجل الصيني - لا أحسب أن حضارة من الحضارات تسمى كاملة ما لم تنتقل من التكليف إلى رفع الكلفة، وترجع عن. وعي وشعور منها إلى بساطة التفكير والمعيشة، ولا أصف رجلاً بالعقل ما لم يكن قد تقدم من حكمة الحصافة إلى حكمة الحماقة، وأصبح فيلسوفاً يشعر بمأساة الحياة ثم يشعر بمهزلتها إذ لابد لنا من البكاء قبل الضحك، لأن الحزن يصير إلى اليقظة واليقظة تصير إلى ضحك الفيلسوف، وملء هذا الضحك ولا ريب الرحمة والسماحة
وهذا الذي يقوله فيلسوف الصين الحديث هو إعادة عصرية لما كان يقوله فيلسوفها القديم كنفشيوس، أو هو إعادة لكل فلسفة صينية حفظت لنا مسطوراتها إلى اليوم، وخلاصة رياضة النفس والتغلب على الأحزان
ففي بعض أيام كنفشيوس بلغت به المحنة أن أهدر دمه بين أميرين متنافسين، كلاهما يقصده بالسوء وليس منهما من يحميه. ومضت عليه سبعة أيام بغير طعام غير حساء الأعشاب التي تجمع من الخلاء، فشحب وجهه وهزل بدنه ولكنه لم يزل في مجلسه يترنم على قيثارة. فلما تبرم تلاميذه بهذه المحنه، دعاهم إليه وناداهم: (ما هذا الذي تقولون!. . . إن المصاعب هي التي تعلمنا الهداية إلى الطريق، وإنما في صبارَّة الشتاء تعرف حق المعرفة نضرة الربيع. وإن هذه الفتنة بين الأميرين لهي حظي السعيد) واستدار مترنما إلى كوخه وهو محبور الفؤاد
هذه هي الحكمة الصين بحذافيرها: آداب سلوك ورياضة نفس وخروج من ذلك كله