بالصبر على مصاعب الحياة
ولم انحصرت حكمة الصين في هذين الموضعين؟
لأن (البلاط الملكي) فيها قديم، وما زال البلاط الملكي هو المصدر الأول لآداب السلوك وأصول الكياسة ورياضة النفس على السمت اللائق والعرف الجميل
فأصبحت القدوة المطلوبة هي الأخلاق التي تحمد في معاشرة الملوك، وأصبح قوام الحكمة كلها هو السلوك والرياضة، بل أصبح الرجل الذي يروض نفسه على مسايرة الناس واحتمال سيئاتهم مرشحا للأمارة والملك، حيث يخفق الرؤساء والكبراء
ومن نوادر التي تساق في معرض هذا المعنى نادرة في كتابهم المشهور (سفر الأسانيد) تجري على النحو الآتي: قال الأمير: من يجد لي رجلاً أرفعه إلى مرتبة الوكالة عني؟ فقال له بعض الحاشية: ابنك يا مولاي تلوح عليه مخائل الذكاء قال الأمير: كلا فإنه شكس عنيد. أتراه يصلح لما نعهده إليه؟
وقال غيره من رجال الحاشية: إن الوالي فلانا يصلح لها
فقال الأمير: كلا. لأنه يتكلم عن الأعمال العظيمة ولا يعمل شيئاً، وأمانته ظاهرة ليس لها قرار
قال بعضهم: ليس لها إلا (كون) المدير القدير
فأجابهم الأمير: كلا. كلا إنه يحيد عن القانون ويبني القناطر لنفسه إذا عم الفيضان. يعني أنه يجر النفع إلى ناحيته ولا يحفل بمصالح الناس
وعاد يسألهم أن يجدوا له رجلاً قديراً على ما يرجوه منه ولو لم يكن من النابهين الذين تقلدوا المناصب واشتهروا بين ذوي المقامات
فذكروا له رجلا من عامة الناس
قالوا للأمير حين سأل عنه إنه ابن رجل ضرير من الأجلاف أمه صخابة سبابة، وأخوه صلف شديد الخيلاء، ولكنه عاش معهم ووفق بينهم وأبطل شكايتهم ونزع منهم داعية الشر، فهم هادئون وادعون
قال: إنه طلبتي، وعلي اختباره
فحكمة الصين برعت في أدب السلوك ورياضة النفس لأنها نشأت من البلاط العريق ولم