تزل منذ نشأتها تدور حوله وترجع إليه
لكن هذا يفسر لنا نشأة الفلسفة السلوكية ولا يفسر لنا امتناع الفلسفة الكونية، فلماذا امتنعت الفلسفات التي تبحث في نظام الكون وسر الحياة وموضع الإنسان من هذا الوجود؟
لماذا لم توجد في الصين فلسفة أو مذاهب فلسفة كمذهب ديكارت وكانت وهجل وبرجسون وغيرهم من فلاسفة أوربا في العصر الحديث؟
الكهانة العريقة إلى جانب البلاط العريق
فالكهانة العريقة تفسر لنا امتناع الفلسفة الكونية، لأن الكهانة تستأثر بأسرار الخلق وعبادة الخالق ولا تطيق المزاحمة من المفكرين في هذه الصناعة
وقد امتنعت الفلسفة الكونية في أوربا حين قامت الكهانة ودانت لها الشعوب بالصولة ورجع إليها الأمر كله في العلم والتعليم والبحث عن حقائق الأشياء
فلما زالت هذه الصولة ظهرت الفلسفات الكونية بمقدار زوالها، واشتهر القرن الثامن عشر وما بعده بتلك الفلسفات لأن العقول انطلقت في القرن الثامن عشر من حكم الكهانة العريقة واستباحت البحث فيما كان قبل ذلك حكراً موقوفاً على رجال الدين
وعلى هذا ليست المسألة مسألة فخر للصين أو لغير الصين لأنها برعت في حكمة السلوك ولم تبرع في الحكمة الكونية؛ وإنما هي مسألة موانع طبيعية عاقت الوظائف العقلية عن غايتها التي ينبغي أن تتجه إليها ولا تحتبس دونها، فهي نقص وليست بكمال، وهي ضرورة مفروضة وليست بالمزية المقصودة، كما أراد أن يصورها فيلسوف الصين الحديثة
وفي العهد الذي تتعاون فيه العقول على بناء العالم الجديد من عناصر الثقافات المختلفة ينبغي أن تتمثل لنا هذه الحقيقة ولا نغفل عنها
ينبغي أن نعلم أن حكمة السلوك ورياضة النفس إنما هي حكمة تراد لتيسير (المعيشة) أي للمنفعة والراحة
ولكن (المعيشة) ومنافعها دون (الحياة) ودوافعها
فنحن نحسن السلوك ونروض النفس لنعيش في سلام
ولكننا نفسر نظام الكون ونستجلي أسرار الطبيعة لنفقة نصيبنا من الحياة، ونتجاوز تيسير