لا موجب للمداورة في محاورتك، فأنت لم تنكر علي الحديث عن النفس بمدلوله المعروف عند رجال الأدب، ولا كان هذا ما أنكره الدكتور طه والأستاذ العقاد، وإنما تنكرون الثناء على النفس، وهذا يقع من حين إلى حين، والثناء على النفس يضايق الناس حين يكون ثناء بالحق، وإلا فمن الذي استطاع أن يكذبني حين أثنيت على نفسي؟
ولكن هل جال في خاطرك أن تبحث عن السر في هذه النزعة النفسية؟
هل حاولت إدراك الأسباب للتكبر الذي أقع فيه كارهاً غير طائع؟
لو أنك فعلت لعرفت أني لا أتكبر إلا متحدياً، والتحدي نزعة طبيعية تطوف بالنفس حين تفكر في دفع الجحود والعقوق
وإليك شاهداً من مقالك بجريدة البلاغ في مساء هذا اليوم (١٨ - ٧ - ٤٣)
في كلامك عن (قصة الأدب في العالم) أثنيت على رأي المؤلفين الفاضلين أحمد أمين وزكي نجيب حين قررا أن عمر بن أبي ربيعة لم يقتصر على معشوقة واحدة، وإنما تبع الحسن أنى كان، بخلاف ما كان عليه أمثال قيس وكثير وجميل
ثم تحمست للأمانة الأدبية والتاريخية فقلت:
(وهذا تفريق سبق إليه العقاد في كتابه (شاعر الغزل) وقد بسطه بسطاً وافياً وتوسع في بيانه. ولست أقول إن المؤلفين الفاضلين أخذا هذا التفريق عنه، فليس ما يمنع أن يتنبها إليه، ولكني أقول إن الأستاذ العقاد سبقهما اليه، فمن الإنصاف أن يذكر له فضل السبق ويسجل)
وهذه حماسة مشكورة، وهي من بعض صفاتك الطيبات، ومن الواجب أن نتلقاها بالترحيب، ولكن هذه الحماسة نفسها تقابل بالإنكار حين تصدر عني، كأن أقول بالرد عليك إن أول من سجل هذا الرأي في كتاب طبع ثلاث مرات هو المبارك لا العقاد
إن كتاب (حب بن أبي ربيعة وشعره) طبع أول مرة أوائل سنة ١٩١٩، وهذا الرأي مدون في أول طبعة، فهل تكره أن أثني على نفسي فأقول إني سبقت العقاد إليه بأكثر من ثلاثة وعشرين عاما؟
وما أقول إني كنت في بالك حين سجلت للعقاد ذلك السبق، فمن المحتمل أن يغيب عنك أني أول من أصدر كتاباً عن شاعر الغزل، وأن كتابي كان المنار لكل من تحدثوا عن ذلك