يتوجه الانتقاد وحقيقته لو لم يكن هذا التنوين في لفظ رسول، ولكن التنوين أضعف معنى الكلمة. والمراد من السياق أن يكون المعنى قوياً بالغاً في وصف فوجب أن يدل على كمال الموصوف بكمال المعنى؛ وليس في مذاهب التعبير عن هذا الكمال أدل ولا أبين من لفظ النبي فجاء به نكره كذلك وترك العطف فيه ليعلم أن المقصود هو إتمام المعنى لأن لفظ الرسول متضمن معنى النبوة، فذكر النبوة بعده على الوجه الذي في الآية يدل على أن المراد التوكيد في الصفة. ومن المعلوم أن التكرار يفيد التوكيد وله موضع معين في البلاغة لو ترك فها لخرجت العبارة ضعيفة أو ناقصة. لو كان لفظ الآية (وكان رسولاً من الرسل) أو (وكان الرسول النبي) أو (وكان رسولاً ونبيَّا) لسقطت العبارة عن درجة الإعجاز، ولجاز انتقادها؛ ولكن هذا التنوين في هذا السياق هو الحكمة كلها. ولزيادة الإيضاح نضرب مثلاً: لو قلت عن رجل عظيم كالشيخ محمد عبده مثلاً إنه كان فاضلاً وكان فيلسوفاً فأي شيء يفيده هذا الوصف إلا أن الرجل كأحد الرجال الممتازين؛ ولكن لو قلت كان فاضلاً وكان فيلسوفاً حكيماً شعر السامع في نفسه وشعر القائل أيضاً أنه كان رجلاً ممتازاً كاملاً لأن العبارة جاءت من التكرار الذي فيها على وجه من الكمال يفيد التوكيد، فكأن غيره من الفلاسفة يعبر عنه بلفظتين، وأما هو فيعبر عنه بثلاث تصويراً لكماله في نفسه وامتيازه عن سواه، مع أن لفظ الفيلسوف يقتضي معنى الحكيم. ولا يمكن أن تكون لفظة النبي جاءت في الآية للسجع لأنها وأن وافقت ذلكن ولكنها تكرار في الآية الأخرى ومع ذلك لم يعبها تكرارها لأن سياق الوصف اقتضاها، وما اقتضاه السياق فهو طبيعي، لأنه بنية الكلام، بخلاف ما إذا سجع الكاتب فجاء بكلمة لا يراد منها إلا السجع، وبعد سطر أو سطرين كرر السجعة نفسها لغرض السجع أيضاً فإنها تجئ أبرد كلام وأسخفه. هذا ما يحضرني وكنت راجعت أمس الكشاف للزمخشري وتفسير الطبري الكبير فلم أجد لأحدهما كلاماً في هذا المعنى، وأظن أن الفخر الرازي ربما تكلم فيها، وتفسيره عند فضيلة الوالد مع تفاسير أخرى كثيرة، ولكني لم أراجع لأن دماغي يتعب سريعاً، ولأني أرى أن ما ذكرته هو الحقيقة
وأما بيت النابغة (ولست بمستبق أخاً الخ) فضبطه لا تلمه. ومعناه أن الصاحب إذا تفرقت أخلاقه فجاء بالحسنة والسيئة ثم أرادت ألا تلم أخلاقه على تفرقها وتجمعها كما هو بل