للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقال بعد ذلك إن خطباء هذه الوفود لن يستجرئوا على مثل ما نسب إليهم من الكلام؟

ويقوم عمرو بن الشريد السلمي فيفخر في إيجاز؛ ويهدد في إعجاز. أما افتخاره فما كان فيه غالياً ولا مبالغاً ولا نفاجاً ولا كذباً ولا مسخطاً لكسرى ولا متنقصاً للفرس؛ فهو يقول عن العرب بارك الله فيهم: (إن في أموالنا مرتفداً؛ وعلى عزنا معتمدا، إن أو رينا ناراً أثقبنا، وأن أود دهر بنا اعتدلنا. إلا أننا مع هذا لجوارك حافظون، ولمن رامك مكافحون). لا فض فوك يا ابن الشريد! فما عدوت الصدق في كلامك، ولا جاوزت الحد في افتخارك. فهو يعلن هنا في كلمته الموجزة ميثاق الصداقة مع حليفته الكبرى. . . وهذا كلام لا يؤلم الحلفاء؛ ولا يوجع الأصدقاء وترجمته في لغة السياسة الدولية الآن أنه إذا اعتدى على بلاد الفرس فإن الأمة العربية الحليفة ملزمة بتقديم المعونة لها من المال والعتاد والرجال. . .

فأين موضع الجرأة أو الكذب أو المغالاة أيها الأستاذ الجليل، في هذا الكلام الوفي الجميل؟

بقى أن ذكرت أيها السيد العربي الكريم في تساؤلك أن صانع خبر الوفود أو صائغه أو مختلقه أو مزوره هو الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي. فقد ذكر ياقوت الرومي أن من تصانيف الزبير هذا كتاب (وفود النعمان على كسرى)

وأقول أنا: إن ياقوت الرومي ذكر نقلاً عن ابن النديم صاحب الفهرست الذي عاش قبله بقرابة قرنين من الزمان. ووصفه ابن النديم بقوله: كان شاعراً، صدوقاً، راوية، نبيل القدر. فكيف يجوز لمن هذه أوصافه أن يضع الحديث الأدبي ويختلق الأخبار؟ وقد الزبير قاضياً على مكة وتوفي وهو قاض عليها. فكيف صح في القضاء رجل يتهمه أستاذنا الجليل اليوم بالوضع والاختلاق

وما حاجة الأستاذ الجليل أن يبني كلامه في اتهام الزبير بكار على الظن والفروض ما دام كتابه في وفود النعمان على كسرى لم يصل إلينا

وفوق ذلك أن الزبير بن بكار عاش في القرن الثالث الهجري ومات سنة ٢٥٦هـ وفق رواية ابن النديم. فهو متأخر عن ابن القطامي والكلبي اللذين نقل عنهما ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد حكاية الوفود على كسرى. فإذا كان هناك وضع في هذه الحكاية فأولى به أن يكون صاحبه ابن القطامي أو الكلبي - سواء أكان محمدا الكلبي أم ابنه هشاما الكلبي - فلم يشتهر عنهما وضع - شهد لهما الأوائل بتقدمهما في علم الأنساب

<<  <  ج:
ص:  >  >>