كان باسمه وله خاصة؟ لا جرم كانت تكون نوعاً من التسلية تخفف بعض أعباء الحياة عن كاهله
ماذا في هذه الرسائل، وما هي الأسرار التي تخفيها في طياتها؟ إنه يعرف سيدة تنتظره دائماً في مدخل منزلها في زقاق بعيد طويل، لأنها كانت تتلقى رسائل من ولدها
ويعرف فتاة في كلية الطب تأخذ كل أسبوع ثلاث. أو أربع رسائل دفعة واحدة. وكان يراها دائماً تسارع إلى غلاف ارجواني وتفضه دون بقية الرسائل ويداها ترتعشان.
وعلى مر الأيام ألف هذه الرسائل وكسب شيئاً من المرانة من طول التكرار وكثرة الممارسة، فأخذ يفهم أسرارها ومحتوياتها المختلفة، فكان يعرف مضامينها من خطوطها تارة ومن أسماء أصحابها تارة أخرى. ومن ألوان أغلفتها والروائح المنبعثة من أوراقها المعطرة في بعض الأحيان
نعم بدأ يعرف هؤلاء الذين يتبادلون الرسائل فيما بينهم، أولئك الآباء والأبناء والأزواج والزوجات
وهؤلاء الشبان من الفتيان والفتيات الذين يتبادلون عواطف الحب ويتساقون أكؤس العشق والغرام
نعم أخذ يفهم أولئك الذين يمرون أمامه بمظلاتهم وسياراتهم من غير أن يكونوا مثقلين مثله بحقائب مملوءة برسائل الآخرين. . .
كان يفهم كل السادة أصحاب هذه الرسائل اللعينة وكان في نفس الوقت يشعر شعوراً قوياً بأنه الوحيد الذي لاحظ له من نعيم ولا نصيب من راحة وسط هذا العالم الصاخب وبين هؤلاء السادة المترفين المنعمين
كان بائساً حقاً. فلم يكن له أن ينتظر وصول رسالة باسمه من أحد في يوم من الأيام
وعند ما وصل إلى هذا الحد من تأملاته وخواطره كان المطر لا يزال يتساقط بشدة فوق طربوشه المبلل وتنحدر قطراته إلى وجنتيه فتملك هذا الموزع المسكين البائس هذا القلب الحزين. هذا الذي فقد كل أمل في الحياة تملكه شعور قوى من اليأس العميق والألم المبرح والحزن الشديد. وتمنى لو يستطيع اقتلاع هذه الحقيبة التي تحفظ رسائل الآخرين من على عنقه وقذفها في الهواء. هذه الحقيبة المعلقة برقبته بسلسة لا تطاق كأنها - لثقلها - تريد